وُري التراب بمقبرة الشرق بمدينة نيس الفرنسية المدافع الدولي السابق مصطفى زيتوني، الرجل الذي تنازل عن المونديال وحمْل ألوان ريال مدريد الاسباني لخدمة قضية بلاده في كفاحها ضد المستعمر الفرنسي ولم يحظ يوما بتكريم ولا شهادة، على عكس من فضّلوا الخوض في الاتجاه المعاكس وقبلوا القميص الأزرق والأبيض والأحمر وحازوا تكريمات “رئاسية”. صنع رحيل من وُصف بأفضل مدافعي جيله خلال عشرية الخمسينيات في 5 جانفي الماضي، بعد صراع طويل مع مرض “الزهايمر”، الحدث في مختلف وسائل الإعلام الفرنسية التي أسهبت في إبراز خصال وتضحيات زيتوني على مدار مسيرة كان بإمكانها أن تعرف منحى آخر لو كان ابن العاصمة الجزائرية قد فضّل إغراءات منتخب “الديكة” والنادي الملكي الذي سعى مطولا للتعاقد معه. ووصفت يومية “لوموند” زيتوني بأسطورة الكرة الجزائرية، وذكرت بأنه كان أحد أعمدة التشكيلة القوية لنادي موناكو ما بين 1954 و1958، وهو ما قاده للمنتخب الفرنسي الذي حمل ألوانه لأربع مناسبات وكان مرشحا بقوة للتألق في مونديال السويد سنة 1958 إلى جانب نجوم ذلك الجيل مثل ريمون كوبا وجوست فونتان. وذكرت “لوموند” بأن زيتوني لم يتردد في التخلى عن طموحاته الكبيرة من أجل تلبية دعوة جبهة التحرير لتشكيل فريقها لكرة القدم، ليسافر خفية ليلا من موناكو نحو تونس ويلتحق بزملائه المحترفين الذين فضّلوا مثله تلبية نداء الوطن، في صورة بن تيفور ومخلوفي، في حادثة أثارت ضجة كبيرة لدى الرأي العام الفرنسي، وساهمت، في المقابل، بشكل كبير في التشهير بالقضية الجزائرية. «بطل قومي في بلده”.. كما وصفته “لوموند” التي لم تتردد في التأكيد بأن المنتخب الفرنسي كان بإمكانه أن يحقق أفضل من المرتبة الثالثة في مونديال السويد، وما كان ليخسر بخمسة أهداف لهدفين أمام منتخب البرازيل في مباراة نصف النهائي لو كان زيتوني في صفوفه. وتوقفت “ليكيب”، في عددها الأخير، عند محطة هامة في مسيرة مصطفى زيتوني عندما رفض ما وصفته ب«العرض الخيالي” لريال مدريد الإسباني للتعاقد معه، مفضلا الدفاع عن قضية بلاده في كفاحها لأجل نيل الاستقلال. حدث هذا بعد أن تألق زيتوني بشكل لافت مع المنتخب الفرنسي في مباراته بتاريخ 13 مارس 1958 أمام المنتخب الإسباني وأمام نجمه الأول الأسطورة دي ستيفانو، الذي طالب مسؤولي النادي الملكي بالتعاقد معه على وجه السرعة، لكن شهرا بعد تلك المباراة فضّل زيتوني السفر في جنح الظلام رفقة مجموعة من أبرز اللاعبين الجزائريين المحترفين في فرنسا نحو تونس، لتشكيل منتخب جبهة التحرير الذي حمل ألوانه لمدة أربع سنوات جاب خلالها بلدان العالم من أجل المساهمة في التعريف بالقضية الجزائرية، قبل أن يعود بعد نيل الاستقلال للاستقرار في الجزائر ويشارك في أول سبع مباريات للمنتخب الجزائري، ليتحوّل لاحقا للتدريب مع نادي رائد القبة الذي قاده لنهائي كأس الجزائر سنة 1966 الذي خسره أمام شباب بلوزداد. من جهتها، تطرقت القناة الإخبارية “إ.تي.في”، التابعة لمجموعة “كنال بلوس”، لرحيل زيتوني لتذكر بأن هذا المدافع الفذ ترك بصمته واضحة حتى مع المنتخب الفرنسي، رغم مشاركاته القليلة، خاصة وأنه كان وراء إنقاذ مرمى “الديكة” من هدف محقق في مباراة فاصلة مؤهلة لمونديال السويد سنة 1958. كما وصف موقع “سو فوت” الفرنسي وفاة زيتوني بأنه إضافة لقائمة سوداء من نجوم الكرة والرياضة الذين رحلوا في الفترة الأخيرة، يتقدمهم النجم البرتغالي أوزيبيو. كما حظيت وفاة زيتوني بوقفة من عديد القنوات والمواقع الرياضية مثل “أر.تي.أل” و«أوروسبورت” و«أفريك سبور”، ما يبيّن قيمة هذه الشخصية الفذة، الذي ردّ يوما على الصحافة الفرنسية حول سبب تنازله عن المجد والشهرة التي كسبها في فرنسا من أجل اللعب لمنتخب جبهة التحرير الوطني بقوله “لديّ الكثير من الأصدقاء في فرنسا، لكن المشكل يتجاوزنا جميعا. ماذا سيكون ردّ فعلكم لو أن بلادكم في حرب وتم استدعاؤكم للدفاع عنها؟”.