هل نال المؤلف أديبا أو فنانا حقوقه المادية والمعنوية كاملة؟ من يقدر جهوده وقيمة عمله الإبداعي؟ وإلى أي حدّ يستطيع الديوان الوطني لحقوق المؤلف ONDA إنصاف المؤلفين المنتسبين إليه؟ تساؤلات جوهرية واجهتني من جديد أثناء حديث قصير مع الأستاذ سامي بن الشيخ الحسين، المدير العام للديوان الوطني لحقوق المؤلف، عقب إشرافه على جمعية عامة لنخبة المثقفين بتلمسان أقيمت يوم 13 جانفي الجاري بقصر الثقافة. لعل الكثير من الناس الطيّبين يتحدثون بإسهاب، وعن حسن نية عن واجبات ودور ومهام الكتاب والصحافيين والفنانين، لكنهم، في المقابل، يغفلون أو يتناسون الحقوق المادية والمعنوية لهذه الشريحة الحيوية من المجتمع، رغم أن النصوص التشريعية واضحة في هذا المجال بالذات، حيث تقول المادة 21 من قانون المؤلف في الجزائر: يتمتع المؤلف بحقوق معنوية ومادية على المصنف الذي أبدعه. تكون الحقوق المعنوية غير قابلة للتصرف فيها وللتقادم ولا يمكن التخلي عنها. إنه نص قانوني منطقي وجميل، لكن أمره يختلف عندما يصطدم بصخرة الواقع، فالكتاب المبدعون يقدّمون عصارة فكرهم وجهدهم، وما تبقّى من رصيد جيبهم، وبعضهم يطبع ويوزّع على حسابه الخاص، مقابل الإهمال والتهميش، وبعيدا عن ثمار تجربة الألف كتاب محظوظ، خلال السنوات الماضية، فالتساؤل يظل قائما: أين هي الحقوق المادية والمعنوية المكتسبة والمنتظرة؟ نعود من جديد إلى القانون نفسه، لنقرأ معا المادة 95 التي تتحدث بوضوح: يتعيّن على الناشر أن يدفع للمؤلف المكافأة المتفق عليها مع مراعاة أحكام هذا الأمر. وإذا كانت المكافأة محسوبة بالتناسب مع الإيرادات، فينبغي أن لا تقل عن نسبة 10 في المائة (10%) من سعر بيع نسخ المصنف للجمهور، وهذا فضلا عن أي علاوة محتملة تمنح مصنفا لم يسبق نشره. وهذه المادة هي الأخرى لا تحتاج إلى شرح أو تفسير أو فتوى قانونية، ومع ذلك تهضم وتغتصب حقوق المؤلف في عز الظهيرة أو تحت جنح الظلام.. وبعيدا عن حلاوة ومرارة التأكيدات القانونية بالنسبة لحقوق المؤلف.. لا بأس أن نذكر هنا بالمناسبة واقعة حدثت سنة 1966 عندما زار الفيلسوف الفرنسي المعروف: جان بول سارتر أرض الكنانة، في الزمن الجميل، حيث قدم له عدد من المفكرين المصريين مجموعة من كتبه مترجمة إلى العربية كهدية متواضعة للكاتب الزائر، فما كان منه إلا أن بادرهم: من خوّل لكم ترجمة أعمالي؟ لماذا لم تخبروني؟ فقال قائلهم: هدفنا نشر المعرفة بالدرجة الأولى، أما حقوق المؤلف فتأتي بعد ذلك. وضحك الجميع، وظلت التساؤلات مطروحة. ولعل الأمثلة عديدة عن السرقات الأدبية وخرق حقوق المؤلف، خاصة بديارنا العربية. وهناك أشكال وألوان لهذا الخرق والسطو والاغتصاب قد لا يتسع لها المقام ولا المقال. وبعيدا عن لغة الأرقام وكيفية توزيع الأرباح والمستحقات، وقبل تجديد مجلس الإدارة خلال شهر مارس المقبل، نعود للتأكيد بأن حقوق المؤلف حافز على الإبداع يستفيد منه المجتمع برمّته. وعلى الدولة أن تكفل للمؤلفين أكبر قدر من الحماية والرعاية، مراعاة وتشجيعا لجهودهم الشخصية الخلاقة، لتنمية الرصيد الثقافي والحضاري لصالح المجتمع برمّته. [email protected]