لم تعرف الجزائر، بمجمل مواعيدها الانتخابية منذ الاستقلال، هبوطا في مستوى السجال السياسي، كالذي تعرفه على مقربة من استحقاق 17 أفريل، والهبوط في المستوى، سجل بسقطات ”المطبّلين” لعهدة بوتفليقة الرابعة، في مشهد عوض فيه الترويج لبرنامج الرئيس، بالانفلات نحو ”استفزاز” الجزائريين بمختلف شرائحهم. راهن الحملة الانتخابية ”المسبقة” للرئاسيات المقبلة، يشير إلى ”نجاح” الموالين لبقاء الرئيس المترشح في الحكم، في التوغل إلى العمق الشعبي، لكن ليس ببرامج تنموية يراد منها استقطاب التأييد الحاشد للعهدة رابعة يوم الانتخاب، لأن برامج المترشح بوتفليقة ”معروفة ولا تحتاج إلى شرح”، كما يعتقد عبد المالك سلال، ولكن، ب”استفزاز” المخيال الاجتماعي والشعبي للجزائريين، ب”هجمات عكسية” يطرح اللجوء إليها، علامات استفهام كبيرة لا يستوعبها الجدل الذي تثيره في كل مرة، سياسيا وشعبيا، كتساؤلات عن حقيقة ”غير مستوعبة” أحيانا، لازالت تغزو أذهان العديد من الجزائريين، حيال ترشح بوتفليقة لعهدة رابعة رغم وضعه الصحي. عمارة بن يونس، رئيس ”الحركة الشعبية الجزائرية” لعن كل من لا يحب بوتفليقة ومن معه ”ينعل بو لي ما يحبناش”، و”اللعنة” في القاموس الجزائري، كلمة كبيرة كبر مخلفات الازدراء، وهو ما يدركه الآباء جيدا، وخارج كون أن بن يونس ألغى كل فصيل معارض، لا يحب بوتفليقة، رغم دفاعه عن ”الديمقراطية”، فإن مضمون عبارته، التي عادة ما يطلقها الجزائريون في ”الزردات” موازاة مع طلقات البارود للتعبير عن الفرح، يحمل نظرة ازدراء محشوة بإلحاح على إبطال كل ما هو مضاد للعهدة الرابعة، حتى بالنسبة للكائنات غير الحية، بغض النظر عن ”سب” الآباء وبغض النظر عن كون من الآباء: بن مهيدي وعميروش وبن بولعيد وبوحيرد. وما قاله بن يونس دفع نواب عبد الله جاب الله إلى التهديد بمقاضاته، بعد وصف سلوكه ب”الصعلكة السياسية”، وبن يونس لم يخسر فقط قطاعا من الجزائريين، أنهكتهم مجرد ”لعنة”، بل خسر من بيته في الحركة، من قدم له استقالته، بدعوى ”الانحراف عن الخطاب النظيف”. ”الخطاب النظيف” لم يكن له مكان، قبيل انطلاق الحملة الانتخابية، مساندو المترشح بوتفليقة أكثر من غيرهم، يرفعون شعار ”الحملة النظيفة”، بينما أول من خرق هذا الالتزام، عبد المالك سلال، مدير حملة بوتفليقة، الذي بقي وفيا لخطابه، وزيرا أول وقائد جوق حملة المترشح رقم ”واحد”، فبعدما وصف بطالي الجنوب، المحتجين، ب”الشرذمة”، قبل أشهر، طالت سقطاته ”الشاوية” بقوله ”الشاوي حاشى رزق ربي”، ما أغضب الشاوية، فشكل الموعد الانتخابي أرضية خصبة لجدال الظل بخصوص من يحكم في الجزائر بين ”الغرب” و”الشاوية”. والظاهر أن الرغبة في إبقاء بوتفليقة رئيسا، خلخلت موازين الدعاية الانتخابية بين أعوان الرابعة، فتشكل جوق غير منسجم، يعزف كل فرد فيه سنفونية منفردة، لعدم فهمه ما يريده ”المايسترو” بوتفليقة بالضبط، أو في غياب ”المايسترو” أصلا، وهو الذي كان بحاجة إلى ”ذكاء” أويحيى و”مرجعية” بلخادم فاستدعاهما إلى هيئة أركانه، لتصحيح المسار قبل الخوض الرسمي في الحملة الانتخابية. وتطرح تساؤلات حيال الأسباب الكامنة وراء هذا الأسلوب الجديد في الخطاب، وحول ما إذا كان يتعلق ”بنزوع شخصي” للأعوان السياسيين المروجين للعهدة الرابعة، خاصة بالنسبة لهؤلاء الذين يتمتعون ب”الشرعية الفرانكفونية” والذين لا يدركون تبعات سقطات بمنطوق عربي حساس جدا، تظهر بالنسبة لهم أمرا عاديا، وعابرا، بينما الواقع السياسي والظروف المحيطة بالاقتراع المقبل وما يسبقه من حملة معارضة شرسة للرابعة، أخرجت الناس إلى الشارع، للقول ”بركات” بشكل غير مسبوق، قد أربك الخطاب السياسي، وجعله هجوميا واندفاعيا، لمساندي الرئيس المترشح، الذي أحدث ”خصوصية انتخابية” بسبب ترشحه مريضا، ما نتج عن ذلك صعوبة لدى الموالين له، في الدفاع عن عهدته الرابعة، بالحجة والدليل وبالطرق العادية التي يتبارى فيها المترشحين بالبرامج، فصار جوق الرابعة يخوض حملة انتخابية ”بأثر رجعي” خال من عرض حصيلة الرئيس، فتحول الإيقاع إلى ”برنامج بوتفليقة لا يحتاج إلى شرح”، وهو الإيقاع الذي يبتغي من ورائه فرض أمر واقع، وهو أيضا الإيقاع الذي تواترت عنه ”جلطات سياسية عابرة” من قبيل الانحراف الذي سجله كل من سلال وبن يونس.