قدّم المخرج الجزائري إلياس سالم، أمس الأول، فيلمه الأخير "الوهراني"، الذي فاز عنه بجائزة أحسن دور رجالي في المهرجان الفرانكوفوني انغوليم بفرنسا. وفتح العرض الأول للإعلام الجزائري عديد الأبواب المغلقة وطرح كثيرا من التساؤلات التي ناقشها المخرج في ندوة صحفية بقاعة الموڤار. حملت الصفحة الفنية التي قدمها الممثل والمخرج إلياس سالم بعنوان “الوهراني”، الكثير من معاني التصالح مع الذاكرة، خاصة والجزائر على بعد أسابيع فقط من إحياء الذكرى الستين لاندلاع الثورة التحريرية الكبرى، حيث جاء الفيلم الذي عرضه المخرج الفرانكو جزائري، جريئا يحمل نكهة جديدة تتحدى الصورة المثالية التي ظلت تسوّق لها العديد من الأفلام الجزائرية حول المجاهدين. أسئلة الماضي والحاضر في فيلم درامي حاول المخرج إلياس سالم في رحلة دامت حوالي ساعتين فك ألغاز الشخصية الجزائرية، التي بدت في حالة تيه، بعد مغادرة الاستعمار الفرنسي مباشرة. وجد الجزائري، حسب الفيلم، في سنوات الستينيات صعوبات كثيرة، وهو يكتشف لأول مرة معنى الاستقلال، حيث ظلت البلاد تعيش حالة من فوضى القيم والشعارات، وحتى صراع الهوية، أمام حجم الظلام الذي بثه الاستعمار الفرنسي في نفوس وقلوب الجزائريين بعد 132 سنة. تحتاج تلك الفترة الأطول في تاريخ الاستعمار الحديث، حسب المخرج وكاتب العمل، إلى توضيح وشرح، من خلال رؤية عميقة للقصص الإنسانية، كما قال إلياس سالم إن الجزائر تبقى دولة كباقي دول العالم يطرح ماضيها وواقعها ومستقبلها الكثير من الأسئلة. يدفعنا فيلم “الوهراني” إلى طرح هذه الأسئلة حول الشخصية الجزائرية التي حاربت الاستعمار، هل كان الجزائريون متشابهين وهم يحاربون الاستعمار، أم كانت لهم خلفية سياسية وعقائدية مختلفة؟ وهل اللغة العربية جزء منا؟ أما نحن، قررنا الهروب من الفرنسية دون تحديد الوجهة الحقيقية التي نشأنا منها. ورغم تناول الفيلم الذي شارك فيه المخرج إلياس سالم ممثلا رئيسيا في دور “جعفر”، لمرحلة هامة من استقلال الجزائر، إلا أن الجهة المنتجة والسيناريست لم تتقدم بطلب للحصول على الدعم المادي من طرف وزارة المجاهدين، حيث لم يكن للفيلم أن يمر دون مقص رقيب الوزارة، التي مولت عشرات الأفلام التي تمجد الثورة الجزائرية وتصور المجاهدين في ثوب مثالي. “الوهراني” يفتح الملفات المسكوت عنها حمل “الوهراني” الذي يندرج ضمن خانة “الفيلم الدرامي” قصة سياسية أنتجت بدعم وزارتي الثقافة الجزائرية والفرنسية، سعت إلى تشجيع البحث في عمق الأزمات الحالية التي هي بلا شك، حسب إلياس سالم، أزمة الخبراء والبيروقراطية التي أدخلت الجزائر في دوامة من تعطيل المشاريع الاقتصادية، وهي أيضا في أحد مشاهد الفيلم مسألة اللغة التي لا تزال تعانيها الجزائر إلى غاية اليوم، واللوبيات السياسية التي تكوّنت بعنوان “المجاهدين المزيفين”، وهي في لحظات كثيرة عقدة الخوف من العلم والعلماء التي أسس لها الحزب الواحد، بعد أن فرض على الشعب الجزائري “بطاقة الانخراط في جبهة التحرير” للحصول على العمل. كل تلك الأزمات التي طفت على سطح المتجمع الجزائري، حوّلت أحلام الاستقلال في حياة المجاهد جعفر الوهراني إلى كوابيس لا تستحق تضحية جعفر بأربع سنوات من حياته في سبيل تحقيق الانتصار على الاستعمار. المخرج إلياس سالم: “لا أبحث عن استفزاز المشاعر” وقد شدّد المخرج خلال الندوة الصحفية التي أعقبت عرض الفيلم، على أنه لا يبحث عن استفزاز مشاعر الجزائريين، كما قال إنه أراد الحديث بشكل أوضح عن الهوية ومشاكلها في الجزائر، ويمضي بالفيلم عميقا نحو مزيد من التصالح مع الذات، مركزا على الموسيقى التي تخللت مشاهده بين الحين والآخر من الإسبانية، الوهرانية، الراي، وحتى الشرقية بصوت عبد الحليم حافظ التي تعكس روعة التنوع الثقافي لدى الجزائريين. ودعا المخرج إلى ضرورة المحافظة على التنوع الثقافي والفكري الذي وصفه ب«الكنز” دون إقصاء، هذا المزيج، كما قال إلياس سالم: “وحده القادر على حماية الجزائر من أي غزو آخر”. يذكر أن فيلم الوهراني، إنتاج سنة 2014، وهو من بطولة إلياس سالم، خالد بن عيسى، جمال مبارك، وسبق وأن تم تتويج المخرج إلياس سالم عن دوره في الفيلم “الوهراني” بجائزة أحسن أداء رجالي في الدورة السابعة لمهرجان الفيلم الفرانكوفوني “لأنغوليم” بفرنسا، وسيفتتح الفيلم اليوم فعاليات الدورة ال12 للأيام السينمائية ببجاية، على أن يتم عرضه أمام الجمهور في قاعات السينما الجزائرية ابتداء من يوم 15 أكتوبر القادم.