كان في بني إسرائيل رجل غني، وله ابن عمٍّ فقير لا وارث له، فلمّا طال عليه موته قتلَه؛ ليرثه، وحمله إلى قرية أخرى، فألقاه فيها: ثمّ أخذ يطلب ثأره، وجاء بناس إلى موسى يدّعي عليهم القتل، فسألهم موسى، فجحدوا، فسألوه أن يدعو اللّه؛ ليُبيِّن لهم بدعائه القاتل الحقيقي، فدعَا موسى ربّه، فأوحى اللّه تعالى إليه أن يطلب منهم أن يذبحوا بقرة. وقد أمرهم اللّه تعالى بذبح بقرة دون غيرها من الحيوانات؛ لأنّها من جنس ما عبدوه، وهو العجل. فكان ردّ القوم على هذا الطلب أن قالوا: أتهزأ بنا، وتسخر منّا؟ فأجابهم موسى: إنّي لا أهزأ بكم، ولا أسخر منكم، فليس هذا من شأني، ولا هو من خُلقي، فلمّا رأى القوم أنّه جاد فيما يقول، طلبوا منه أن يبيّن لهم حال البقرة الّتي يُراد ذبحها، فأخبرهم موسى بأنّ المطلوب أن تكون معتدلة السن، ليست بالصّغيرة ولا بالكبيرة. ومع ذلك فقد أبَى القوم إلّا التنطّع في الطلب والاستقصاء في السّؤال، فأخذوا يسألون عن لونها بعد أن عرفوا سنَّها، فأجابهم موسى بقوله: إنّ البقرة الّتي أمركم اللّه بذبحها صفراء شديدة الصّفرة، تُعجب في هيئتها ومنظرها وحسن شكلها النّاظرين إليها. بيد أنّ هذا الأوصاف الّتي سألوا عنها لم تغنهم من الحقّ شيئًا، وأخذوا يسألون عمّا هم في غنى عنه، فطلبوا من موسى أن يسأل ربّه؛ ليزيدهم إيضاحًا لحال البقرة الّتي أمروا بذبحها، فأجابهم موسى أنّ من صفاتها أن تكون سائمة، ليست مذلّلة بالعمل في الحراثة، ولا في السّقي، وأن تكون سليمة من كلّ عيب، ليس فيها لون يخالف لونها. فلمّا وجدوا أنّ جميع صفاتها ومميزاتها قد اكتملت، أقرّوا أنّ الأمر قد أصبح واضحًا لديهم، وأحضروا البقرة المستوفية لتلك المواصفات فذبحوها. ثمّ إنّ موسى أمرهم أن يضربوا القتيل بأيّ جزء من أجزاء البقرة، فضربوه، فعادت إليه الحياة- بإذن اللّه- وأخبر عن قاتله. ورغم عِظَم هذه المعجزة الّتي تزلزل المَشاعر، وتهزّ القلوب، وتبعث الإيمان في النّفوس، إلّا أنّها لم تؤثّر في قلوب بني إسرائيل الصّلدة؛ لأنّها قد طرأ عليهم بعد رؤيتها ما أزال آثارها من قلوبهم، ومحَا الاعتبار بها من عقولهم.