رئيس المرصد والأعضاء ينشطون تجمعات ولائية    مزيان يحظى باستقبال رئيس كينيا    للجمارك الجزائرية دور فعال في دعم النمو الاقتصادي    فاتورة استيراد مواد التجميل إلى 58 مليون دولار في 2024    تنظيم حفل تكريم 500 حافظ وحافظة للقرآن الكريم    الأدب الجزائري المكتوب بالفرنسية..!    تشديد على التباعد الاجتماعي لوقاية فعالة    بعثة استعلامية برلمانية بتمنراست    مزيان يسلّم رسالة خطية من الرئيس تبون للرئيس الكيني    الرئيس تبون نصير الأفارقة للوقاية من الإرهاب    الفنان وليد تيغيوارت يبرز جمال مدينة الجزائر في معرض تشكيلي بالعاصمة    بعث مشروع نظام السلامة والأمن البحريين    إشادة دولية بمصالح الأمن الجزائرية    لا يحقّ للبرلمان الأوروبي تقديم دروس للجزائر    سيدي عمار يتهم المغرب بممارسة "إرهاب دولة" في الأراضي المحتلة    كأس للجزائر بين الثانويات والإكماليات والابتدائيات.. قريباً    4 اتفاقيات تعزّز علاقات الجمارك مع الشركاء    تكريم 500 حافظ وحافظة للقرآن الكريم    اختتام بطولة الجيدو ما بين مصالح الشرطة لناحية الوسط    الضمان الاجتماعي قائم على مبدأ التضامن بين الأجيال    ولايات الجنوب تحظى بعناية خاصة في مجال حماية البيئة    كاس افريقيا للأمم 2025 : عدد من أساطير كرة القدم سيحضرون عملية القرعة    تشغيل : أزيد من 100 مؤسسة تشارك في الطبعة ال13 لمعرض "أومبلواتيك كونيكت    قرار وزاري صدر في العدد الأخير للجريدة الرسمية..كل التفاصيل عن شروط وكيفيات معالجة طلبات شراء سكنات "عدل"    دراجات هوائية (طواف الشارقة 2025) -المرحلة الثانية : الدراج الجزائري ياسين حمزة يحل في المرتبة الثانية    كتائب القسام تسلم الصليب الأحمر 4 مجندات أسيرات إسرائيليات..الاحتلال يفرج عن 200 أسير فلسطيني من ذوي المحكوميات العالية والمؤبدات    وزيرة السياحة تشرف على لقاء تحضيري لموسم الاصطياف لسنة 2025    سؤال التاريخ بين الكتابة التاريخية وحركة التاريخ    غليزان.. إنقاذ 63 شخصا اختنقوا بغاز أحادي أكسيد الكربون في 2024    عين الدفلى..ضبط ما يقارب 5 قناطير من اللحوم الحمراء فاسدة    كرة القدم : نحو إعادة بعث كأس شمال افريقيا للأندية    جمارك: حجز 8,5 طن من الكيف المعالج و570 كلغ من الكوكايين و11 مليون قرص مهلوس في 2024    لازاريني : إنهاء عمل "الأونروا" قد يؤدي إلى انهيار اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة    اليوم العالمي للجمارك: الجمارك الجزائرية توقع على أربع اتفاقيات تعاون في عدة قطاعات    جريدة "إل بوبليكو" الاسبانية : المغرب يستخدم السياحة للترويج للاحتلال وسط قمع ممنهج في الصحراء الغربية    لجنة الخدمة المدنية الدولية تنظم بالجزائر ورشة عمل إقليمية حول عدة مسائل ضمن اختصاصاتها    الأسرى المدنيون الصحراويون يتعرضون للتفتيش المهين والمضايقة    تثمين فلسطيني لدور الجزائر    إرهابيان يسلمان نفسيهما للسلطات العسكرية    المصادقة على قانون حماية ذوي الاحتياجات الخاصة    الجزائر تُطالب بالتحرّك فوراً..    وفد برلماني يتفقّد مشاريع مهيكلة بولاية تندوف    ضُعف في المداخيل الجبائية    رباش سعيدٌ بالانتقال إلى نادي غرناطة الإسباني    الهدوء يعود إلى بيت الفريق والإدارة توضح    تجهيزات جديدة ل''الفاف" لتدعيم تقنية "الفار" في البطولة    تفكيك أخطر عصابة أحياء بمفتاح    مساعٍ لتثمين الأدب النسائي في القارة السمراء    حجز 130 كلغ كوكايين ومصادرة 13 مليارا    تصعيد خطير في الضفّة الغربية المحتلّة    بلمهدي: الجزائر حريصة على ضمان تكفل أفضل بالحجاج خلال موسم الحج    المغرب: فشل الحكومة في الحفاظ على صحة المواطنين يحول داء الحصبة إلى وباء    منظومة الضمان الاجتماعي في الجزائر قائمة على مبدأ التضامن بين الأجيال    القلوب تشتاق إلى مكة.. فكيف يكون الوصول إليها؟    وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ    كيف تستعد لرمضان من رجب؟    نحو طبع كتاب الأربعين النووية بلغة البرايل    انطلاق قراءة كتاب صحيح البخاري وموطأ الإمام مالك عبر مساجد الوطن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرواية والبحث عن تصحيح مسارات التاريخ
نشر في الخبر يوم 06 - 03 - 2015

في زمن الاضطرابات السياسية يكتشف الإنسان حاجته إلى فهم الأسباب التي تؤدي إلى الاقتتال بين الناس، الحاجة إلى تجاوز هذه الأنانيات والعقلانيات الضيقة التي تفكر بمنطق المصلحة. لقد بدأ القرن الواحد والعشرون على عكس الآمال التي حملتها النفوس بأن يكون قرنا للأمن والسلام ينسي البشرية ويلات القرن العشرين، غير أنّ ما حدث أنّ الثقافات والديانات والمجتمعات والإثنيات ازدادت تباعدا، وتفاقمت كل أسباب الشقاق، ودخلت الحضارة الإنسانية طورا ينبئ بأسوأ الاحتمالات، وتعالت أصوات تتحدث عن نهاية التاريخ بسبب الصراعات الإيديولوجية والدينية.
ما موقف الأدب من كل هذا الدمار الذي لحق بالإنسان؟ وهل يمكن له– إن كان له دورا ما يؤديه– أن يوقف هذا النزيف الإنساني؟
تزداد شراسة الإجرام لما تكون قاعدته هو ما يؤمن به الأشخاص، فيندفعون إلى العنف بدعم من ذلك الفهم الذي يريده البعض من الدين حتى يتحول إلى أداة لتبريرعدوانهم على الآخرين. سيتحوّل الآخر إلى عدوّ بالضرورة، وسيكون قتله بابا من أبواب إرضاء الإله الذي يؤمن به، ويشفي غليل أوليائه الذين يعززون سلطتهم من خلال استغباء ما دونهم.
في رواية الروائية التركية “أليف شافاق” (قواعد العشق الأربعون) تبصّرات حول هذا الصراع الذي نشأ داخل المجتمعات الدينية أو المجتمعات التي تدير حياتها وفق فهم معين للدين؛ محاولة أن تبرز كيف أنّ العقائد حين تخرج من أجهزة إيديولوجية تصوغها وفق مصالحها الآنية تتحول إلى أخطر سلاح ضد الإنسان أولا وضد الدين ثانيا. التدين هو الشكل الذي يصبغه الإنسان على الدين خلال فهمه له والعمل بوصاياه، ما يعرّضه باستمرار إلى انزياحات مستمرة عن جوهر الدين.
العنف الممارس اليوم في العالم هو في جزء كبير منه ذو خلفية دينية، إذ يلعب الخطاب الديني دورا خطيرا في صياغة فكرة الصراع ذاتها، وإكسابها طابعا مقدسا، تهدف إلى إرضاء الإله الذي تؤمن به كل جماعة. قد تختلف العصور، وتختلف أشكال الصراع، لكن يظل الجوهر ثابتا لا يحول، كأنّها دورة تعيد نفسها كلما اكتملت في عصر لتنبعث في عصر آخر ولو بشكل أو إيقاع مغايرين.
تقيم رواية “قواعد العشق الأربعون” جسرا بين الماضي والحاضر، فنكتشف أنّ القرن الثالث عشر لا يختلف عن القرن الواحد والعشرين، وأنّ ما كان في ذلك القرن من صراعات دينية هي ذاتها الصراعات التي يشهدها قرننا، كما أنّ الخطاب التبريري والتأويلي للدين يعاد صياغته في هذا القرن الجديد وفق مصلحات سياسية واقتصادية.
إنه الموت نفسه الذي يترصد المدينة وقيمها، ويترصد الحضارة وقيمها، ويترصد الإنسان وقيمه. الأحقاد ذاتها تغذي في كل مرّة مصالح البعض لأجل السلطة الأبدية، فما رجال الدين في كل العصور إلا أدوات في يد السلطان لخدمة خلود عرشه.
ينتقل القارئ بين زمنين، وبين تاريخين، وبين جغرافيتين، وهو في رحلته تلك تدفعه الرواية لكي يقرأ بوعي مقارن، وأن يفتح فهمه على منظورين للحدث الروائي؛ فثمة الزمن الحاضر، وهو القرن الواحد والعشرون، الذي تنتمي إليه بطلة الرواية “إيلا”، تعيش في مدينة نيويورك أم لثلاثة أطفال متزوجة من رجل تشك في مدى وفائه لها، تعمل في وكالة أدبية بمدينة نيويورك، تقترح عليها الوكالة قراءة مخطوط رواية بعنوان “الكفر الحلو” لكاتب غير معروف يدعى “هازار عزيز”، دون أن تدري أنّ هذه الرواية ستغيّر مجرى حياتها إلى الأبد، فالرواية تسير في كل صفحة نحو تغيّر مفاجئ لوعي البطلة بذاتها وبالمحيط الذي تعيش فيه، وبما كانت تؤمن به سابقا من أفكار، إذ لا أحد يدري من أين سيأتيه التغيير.
كانت “إيلا” وهي مقبلة على سن الأربعين تعيش حياة متوترة– على الرغم من أنّها تدّعي بأنها سعيدة بأسرتها- طغى عليها روتين الحياة الاجتماعية، وفي أغلب الأوقات تعرف علاقتها بزوجها الذي يخونها فتورا كبيرا، ومع ذلك كانت تسبّق المصلحة العامة للأسرة، وتفكر في مستقبل أبنائها الثلاثة.
موضوع المخطوط هو قصة لقاء وقع بين جلال الدين الرومي وشمس الدين التبريزي، وتدور الرواية حول فكرة التصوف وقواعد العشق الإلهي التي قادت شمس التبريزي إلى تغيير حياة رجل دين رأسا على عقب، وهي فكرة التحوّل التي تظهر كتيمة أساسية في رواية “شافاق”، وسنكتشف بأنّ التحوّل يقع على إيلا بطلة الرواية وعلى جلال الدين الرومي في مخطوط الرواية الذي قرأته إيلا، فحين تصل إلى خاتمة الرواية وتكتشف ما حدث للرومي تتحوّل حياتها هي الأخرى رأسا على عقب. الفكرة الجوهرية في هذا المخطوط هي أنّ الحب هو جوهر الحياة وجوهر الدين، والإنسان الذي لا يكتشف الحب في داخله لا يمكن أن يصل إلى مغزى الوجود.
تقع البطلة في حب الرواية، وتقرّر أن تراسل كاتبها، لتكتشف أنه شخص مرتحل، لا يستقر في أي مكان، وهو صوفي يبحث عن معنى الحياة وعن اللّه في كل مكان يسافر إليه. اكتشفت فيه شخصا عميقا، يحمل فهما مختلفا للحياة وللعلاقات الإنسانية، وقد بدا لها في صورة شمس التبريزي المتصوف. تقع في حبه بعد أن اكتشفت قصة حياته التي تحوّلت من الإدمان والضياع إلى التصوف والعشق والبحث عن اللّه. تقرّر في الأخير أن تضحي بكل شيء لأجله، فتسافر معه إلى “قونية” هناك تعيش معه أيامه الأخيرة قبل أن يموت بسبب مرض السرطان. تكون نهاية عزيز منسجمة مع نهاية شمس التبريزي في روايته “الكفر الحلو”، ومآل إيلا منسجم مع مآل الرومي.
ثمة تقابل مرآوي بين شخصيات الرواية؛ بين شمس الدين التبريزي وهازار عزيز كاتب المخطوط، وبين جلال الدين الرومي وإيلا، فكل هذه الشخصيات عاشت تحولات عميقة في حياتها، وبسبب الحب حدث زلزال وجودي في كياناتها.
المعركة في الواقع هي بين التعصب والحب، ويظهر الحب في مقام المتصوفة رؤية شاملة للكون ومتفتحة على الحياة بكل تناقضاتها، واستيعاب ذلك التناقض باعتباره جزءا من معنى وقيمة هذا الوجود. لا يمكن للاختلاف أن يصيب الإنسان بمشاعر النبذ والكره والإقصاء، بل عليه أن يتقبّل كل الأعراق وكل الأديان وكل الألوان وكل اللغات. ثمة لغة واحدة يمكن أن تذيب الفروقات وتجعلها جسورا للقبول والتجاذب الإيجابي وهي لغة “الحب”، ولذا احتفت الرواية بالتصوف لا باعتباره غرقا في حب الذات الإلهية لكنه أيضا طريقة للتعبير عن حب الإنسان للإنسان.
جوهر الحياة أنها في تحوّل مستمر، الحلو لا يبقى حلوا، والمر لا يبقى مرا، وبين الخير والشر تجاذبات، طالما أنهما قيمتان إنسانيتان خاضعتان للاستعمال وللفهم البشريين. أليس التعصب هو أنّ أحدهم يعتبر نفسه الصورة المطلقة للخير، والآخر الصورة المطلقة للشر، دون أن يضع في حسبانه أن الخير المطلق وأنّ الشرّ المطلق لا وجود لهما إلا كمقولات متعالية ونظرية ولاهوتية؟
التعصب إذن هو رفض التحوّل، واعتبار المفاهيم والأفكار والعقائد أصنام لا تتزحزح من مكانها، تظل في مكانها فوق التاريخ البشري الذي هو تاريخ التغيّر. فالتعصب ضد الحياة التي هي نهر في حركة سرمدية.
[email protected]

أستاذ النقد الأدبي والأدب المقارن
جامعة بجاية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.