عن النُّعمانِ بن بشير رضي اللّه عنهما قال: سمعتُ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: “إنَّ الحَلالَ بَيِّنٌ وإنَّ الحَرَامَ بَيِّنٌ، وبَينَهُما أُمُورٌ مُشتَبهاتٌ، لا يَعْلَمُهنّ كثيرٌ مِن النَّاسِ، فَمَن اتَّقى الشُّبهاتِ استبرأ لِدينِهِ وعِرضِه، ومَنْ وَقَعَ في الشُّبُهاتِ وَقَعَ في الحَرَامِ، كالرَّاعي يَرعَى حَوْلَ الحِمَى يُوشِكُ أنْ يَرتَعَ فيهِ. ألَا وإنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، ألَا وإنَّ حِمَى اللّه محارِمُهُ. ألَا وإنَّ في الجَسَدِ مُضغَةً إذا صلَحَتْ صلَحَ الجَسَدُ كلُّه، وإذَا فَسَدَت فسَدَ الجَسَدُ كلُّه، ألَا وهِيَ القَلبُ” رواه البخاري ومسلم. إنَّ الحلال المحض بَيِّنٌ لا اشتباه فيه، وكذلك الحرامُ المحضُ، ولكن بين الأمرين أمورٌ تشتبه على كثيرٍ من النّاس، هل هي من الحلال أم من الحرام؟ وأمّا الرَّاسخون في العلم فلا يشتبه عليهم ذلك، ويعلمون من أيِّ القسمين هي. فأمّا الحلالُ المحضُ: فمثل أكلِ الطيّبات من الزّروع والثّمار وبهيمة الأنعام وشرب الأشربة الطيّبة، ولباسِ ما يحتاج إليه من القطن والكتَّان أو الصّوف أو الشّعر، وكالنّكاح والتسرِّي، وغير ذلك إذا كان اكتسابُه بعقدٍ صحيح كالبيع أو بميراث أو هبة أو غنيمة. والحرام المحض: مثلُ أكل الميتة والدم ولحم الخنزير، وشرب الخمر، ونكاح المحارم، ولباس الحرير للرّجال، ومثل الأكساب المحرَّمة كالرِّبا والميسر وثمن ما لا يحلّ بيعه، وأخذ الأموال المغصوبة بسرقة أو غصب أو تدليس أو نحو ذلك. وأمّا المُشتَبه: فمثلُ أكل بعضِ ما اختلفَ في حلِّه أو تحريمهِ، إمَّا من الأعيان كالخيلِ والبغالِ والحمير، والضبِّ، وشربِ ما اختلف من الأنبذة الّتي يُسكِرُ كثيرُها، ولبسِ ما اختلف في إباحة لبسه من جلود السّباع ونحوها، وإمّا من المكاسب المختلف فيها كمسائل العِينة والتورّق ونحو ذلك، وبنحو هذا المعنى فسَّرَ المشتبهات أحمدُ وإسحاق وغيرهما من الأئمة. وحاصلُ الأمر أنَّ اللّه تعالى أنزَل على نبيّه الكتاب، وبيّن فيه للأمّة ما يحتاجُ إليه من حلال وحرام، كما قال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ} النَّحل:89.