عانت المرأة في التاريخ البشري والواقع المعاصر وقائعاً مؤلمة من ظلم وبخس واعتداء وانتهاك لكرامتها، وبالمقابل توجد صور مشرقة ووقائع كريمة من إجلال وتكريم وتقديس. ينظر الإسلام إلى المرأة كونها تلعب دوراً أسرياً في الأساس، كونها الأم والأخت والزوجة، وأنها شريكة الرجل في تحمل مسؤوليات الحياة وبرز في عدد من العصور والأماكن العديد من النساء المسلمات في مناحي الحياة السياسية والقضائية والتجارية والثقافية والاجتماعية. فقد أشار القرآن لبني آدم في مواقع عديدة وإلى الرجال والنساء معا منها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ”وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ”. فالمرأة مكلّفة مع الرجل من الله جلّ جلاله في النهوض بمهمة الاستخلاف في الأرض ”وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدّمَاء وَنَحْنُ نُسَبّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدّسُ لَكَ قَالَ إِنّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ”. والمرأة على درجة واحدة مع الرجل في التكريم والإجلال عند الله ”وَلَقَدْ كَرّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطّيّبَاتِ وَفَضّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا”. وقدسية حياة المرأة والرجل على مرتبة واحدة من المكانة والصون عند الله ”مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنّمَا قَتَلَ النّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنّمَا أَحْيَا النّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاء تْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيّنَاتِ ثُمّ إِنّ كَثِيرًا منْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ”. والمرأة منبت البشرية ومنشئة أجيالها ”يَا أَيّهَا النّاسُ اتّقُواْ رَبّكُمُ الّذِي خَلَقَكُم من نفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتّقُواْ اللهَ الّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا”. والمرأة في الزّواج سكناً ومصدراً للمودّة والحنان والرّجل لها ذلك ”وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدّةً وَرَحْمَةً إِنّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكّرُونَ}. وأناط الله على الرّجل والمرأة السّواء مهمّة تكاثر السّلالات البشرية وتعارفها وتعاونها، وإقامة الأسرة باعتبارها الوحدة البنائية الأولى والأساس في إقامة المجتمعات البشرية، من غير تمايز بينهم على أساس الجنس أو اللون أو العرق.. والعمل الصّالح وتحقيق الخير للنّاس هو مادة التّنافس بينهم، وهو معيار التفاضل بينهم عند ربّهم ”يَا أَيّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ”. ومسؤولية الحياة وتصريف شؤونها ورعاية مصالح العباد تقع على عاتق الرجل والمرأة سواء بسواء وبما اختصّ كلاّ منهما من واجبات ”وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ إِنّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ”، وفي حديث ”كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيّته”، ”وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا”، وفي الحديث ”النّساء شقائق الرّجال”. والشّورى والتّشاور والتّناصح مسؤولية مشتركة بين الرّجال والنّساء ”وَالّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبّهِمْ وَأَقَامُوا الصّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ”، وفي السّيرة تجاوز المسلمون أخطر أزمة في بداية تاريخ الإسلام يوم صلح الحديبية بحكمة امرأة ومشورتها وهي أمّ المؤمنين أمّ سلمة رضي الله عنها. فقد أعطى الإسلام المرأة قيمة إيمانية تعبّدية، فضلاً عن قواعد تنظيمية حياتية تحقّق مصالح المجتمع، فأمر بالسّمع والطّاعة للأم، حيث جعل الله طاعة الوالدين وبرّهما والإحسان إليهما مقروناً بطاعته وعبادته في أربعة مواقع منفصلة بالقرآن. عضو المجلس العلمي لولاية الجزائر