بين ماض حافل بالفشل التنموي ورهان خارطة الطريق لاستدراك تخلّف الولاية بجميع القطاعات أرّخ خبير تنموي من شعابها بأن هذه الولاية بلوعة للأموال دون جدوى، ومن ذلك، حسب إحصائية هذا الأخير، أن 516 عملية بمجموع تجاوز 5 آلاف مليار سنتيم في مختلف البرامج، منذ إنشائها سنة 1984 إلى سنة 1999، ضاعت في باطن الأرض، في عمليات ”فاشلة” للتطهير والحماية من الفيضانات. وتوالى الفشل نفسه وتبديد المال العام في 123 عملية مماثلة، بمجموع 3 آلاف مليار سنتيم ضمن برامج المخططات الثلاثة 1999 إلى 2013، دون تغيير واقع طوفان الفيضانات التي تعيق باقي مشاريع العمليات التنموية بجميع القطاعات. إذ لم تنفع عمليات الضخ السنوي للأموال في النهوض التنموي المنشود، وقد تجاوزت في مجموعها على مدى 30 سنة من إنشاء الولاية 137 ألف مليار سنتيم، لتصنّف في آخر المطاف بأن تخلفها التنموي يعادل 20 سنة عن ركب نظيراتها من الولايات المنبثقة في التنظيم الإقليمي نفسه لسنة 1984، رغم ثرواتها الطبيعية في الفلاحية والغابات والسياحة والصيد البحري وثروتها المائية الضخمة التي بإمكانها أن تموّن 4 ولايات في الجوار، بينما نصف سكان الولاية يستهلكون مياها ملوثة ومالحة أو من الوديان والشعاب الجبلية غير المراقبة.
الوزير الأول وصفها بأنها ”خرابة هيروشيما” وضع الوزير الأول، عبد المالك سلال، في زيارته للطارف، نهاية ديسمبر من السنة المنصرمة، الفاصلة الضائعة في السيرورة التنموية، ليكشف بصريح العبارة بأن جميع المراكز الحضرية للبلديات، بما فيها عاصمة الولاية، تشبه إلى حد متطابق خراب الدمار في ”هيروشيما”، وأن ما توقف عنده من مشاهد مزرية لا تشرف سمعة ومكانة الجزائر من بوابتها الحدودية الشرقية. وتساءل، في السياق ذاته، كيف هو الحال لبقية المناطق ”النهائية”، متوقعا بأن الحياة عندها تنتهي كما يتردد وسط فئة جيل الشباب، وهو الوصف الذي ظل سائدا لدى غالبية سكان المنطقة منذ أزل غير بعيد، وكأن الوزير الأول قرأ كنه الحقيقة في صدور مواطني ولاية الطارف، فلم يجد، في سياق اختصاصه في التنكيت، إلا استعمال لغة الشارع في التقييم التنموي المزري، ولدعم الولاية ضخّ الظرف المالي لبرنامج استدراكي بقيمة 3165 مليار سنتيم، تضاف إلى 36 ألف مليار سنتيم، التي مازالت دون استهلاك، وهي التي تواجه معوّقات تنموية طبيعية وتقنية، حسب آخر تقييم رسمي لمديرية البرمجة ومراقبة الميزانية. التقييم التنموي السلبي يفيد خطة خارطة الطريق تزامنت زيارة الوزير الأول، عبد المالك سلال، مع بداية مسعى الوالي الجديد، محمد لبقة، في وضعه اللبنات الأولى لخارطة الطريق بعد شهرين من توليه مقاليد تسيير شؤون الولاية، فكانت نتائج الزيارة، التي طغت عليها السلبية في الطرح والمضمون، دعما يعزز مسعى مسؤول الهيئة التنفيذية الولائية في تغيير أساليب العمل التنفيذي مع جهازه التنفيذي وبقية المؤسسات المعنية بسيرورة التنمية، وتفعيلها لاستدراك التأخر المسجل المعترف به رسميا. وتلت الزيارة، بعد أسبوعين، الدورة الرابعة العادية للمجلس الشعبي الولائي، والتي تناولت التقييم السلبي لكافة قطاعات النشاط التنموي، استنادا إلى معطيات رسمية للقطاعات ذاتها، وهي الدورة التي أثنى على أشغالها ونتائجها الوالي، كونها عرّت الواقع التنموي، وأضفت المزيد من المعطيات لخطة مسؤول الجهاز التنفيذي في خارطة الطريق، التي تضمنت عديد المحاور لتحدي العوائق التي تواجه تنفيذ البرامج التنموية. وقبل ذلك، قام الوالي بجولة ”مكوكية” قادته لجميع بلديات الولاية، اطّلع من خلالها على الواقع التنموي والاجتماعي، وجمع انشغالات السكان في لقاءات مباشرة حضرها المسؤولون المنتخبون والتنفيذيون وفعاليات المجتمع المدني، إلى جانب اللقاءات مع مختلف فئات المتعاملين الاقتصاديين والمستثمرين ومؤسسات الإنجاز ومكاتب الدراسات والمخابر التقنية، فضلا عن استقباله، كل يوم اثنين، عشرات المواطنين بمكتبه الخاص، ووضعه لرقمين هاتفيين باللون الأخضر أحدهما لاستقبال شكاوى المواطنين، وثانيهما لاستقبال شكاوى وطلبات المتعاملين المحليين بمختلف النشاطات التنموية. ووعد الوالي بجولة ثانية تقوده لتفقد المداشر النائية المعزولة، بناء على طلب سكانها، ينتظر أن تدوم على مدى شهور فصل الربيع لهذه السنة، حسب الأجندة الرسمية لديوان مسؤول الجهاز التنفيذي الولائي. المواطن يتقفّى آثار التغيير المنشود بحسابات واقعية المواطن الطارفي، أينما كان موقعه في الريف أو المدينة، تحسس نية التغيير في خطة خارطة الطريق من خلال فتح أبواب استقبال بمكاتب المسؤولين على مختلف مستويات الأجهزة التنفيذية، وفي مقدمتهم مكتب والي الولاية والاهتمام بانشغالاته ومطالبه، التي أصبحت محل مراسلات رسمية بين الجهات المعنية وإلزامية الرد عليها بالإيجاب أو السلب، وتقبّل المواطن مزيدا من الصبر والمثابرة، فاتحا الفرصة مرة أخرى للتحركات الميدانية باتجاه تحسين محيطه الاجتماعي وتلبية حاجياته التنموية والاقتصادية والاجتماعية. ويبقى في جعبة الجميع انشغال القطيعة مع ممارسات الماضي، والضغط على رؤساء البلديات ومنتخبيها من أجل تفعيل أدائهم اليومي في تسيير شؤون البلديات والاهتمام بانشغالات المواطنين والمداومة اليومية بمقرات البلديات لمسايرة أي حادث طارئ. وللمواطن حسابات أخرى، فقد لا يثق بكثرة الاجتماعات وضعف بلورة نتائجها في الميدان، مشككا ومتخوفا من الصدأ الذي يفرمل دواليب التنمية، ما لم يهتم كبار المسؤولين بدواء الكيّ وجراحة البطر لكل ما يعيق المجهود الجماعي ويقضي على مظاهر الغش والتواطؤ والعبث بالبرامج التنموية، مع تحديد وتحميل المسؤولية لكل طرف أو جهة مقصّرة أو متهاونة، وتطبيق القانون بحوافره. اجتماعات ماراطونية في انتظار حركة التفعيل التنموي في الميدان خطة خارطة الطريق، بمعطياتها وترتيباتها التنفيذية، فرضت، منذ شهرين، التواصل اليومي ودون انقطاع بجلّ المصالح الإدارية والهيئات التنفيذية والمجالس المنتخبة. والاجتماعات الموسعة والضيقة في سباق ماراطوني أفقيا وعموديا، سعيا نحو تجسيد الخطوة الأولى لخارطة الطريق التي سطرها الوالي بمحاور جديدة، ولكن رجالها بذهنيات قديمة، توقّف جهدهم عند عتبة الفشل التنموي المؤكد تقييمه الرسمي مؤخرا في زيارة الوزير الأول للولاية. وتفيد الكثير من مصادرنا المعنية بهذه السلسلة من الاجتماعات واللقاءات اليومية التي تحفل بها القاعات والصالونات بأنها متعبة، وتدور نقاشاتها في حلقة تكاد تكون مفرغة بين هالة الأرقام ومتاهات الأحجام وملء بياض الورق بحبر الأقلام، وما تسفر عنه يوميا في تشخيص وتقويم أعرج وتعميم التبرير بأن ”الكل مسؤول والكل غير مسؤول”، مع التأكيد، وبالإجماع، بأن الوضع التنموي شبه مشلول. وتبقى عربة التنمية على حال وضعها المعهود أمام الحصان، لأن ما يصدر من قرارات وترجمتها إلى أوامر التنفيذ تبقى رهينة بيروقراطية المكاتب التقنية المعزولة بجدار إسمنتي مسلح عن ورشات الإنجاز وتنفيذ مختلف البرامج، لأن الذهنيات السائدة مازالت تعمل على مقاس ”ما نربحش العيب” أو ”تخطي راسي”، رغم أن خلفيات ذلك مكشوفة في تحريات المصالح الأمنية المختصة في الجرائم الاقتصادية بشأن ”الثراء الفاحش” للكثير الأشخاص المعنيين بالجانب التقني وقرار التنفيذ، وهو الملف الذي فرملت مجريات تحقيقاته بتدخلات جهات رسمية، خوفا من تكرار سيناريو 2006 الذي عصف بمجرى قطار التنمية المحلية. وحسب مصادرنا، فإنه إلى جانب أطراف مسؤولة بدواليب مصالح الإدارة بالولاية، فإن الحلقة المفقودة في النقاش الدائر بشأن التشخيص والتنقيب عن مكمن الخلل التنموي هي ما أصبح يصطلح عليه ”الطابو التقني”، المركون عمدا تحت طاولات هذه الاجتماعات. ويتعلق أمرها بالطواقم التقنية بالمديريات التنفيذية وأقسام فروعها عبر الدوائر وبالبلديات وحلفائهم شلة من مكتب الدراسات وهيئات المراقبة التقنية وأيضا بعض المنتخبين الانتهازيين، وكلها تشكل جماعات متحكمة ومسيطرة على مختلف المشاريع في تسيير مراحلها، انطلاقا من وضع دفتر الشروط إلى آخر تسوية مالية، حسب المقاس المضبوط على المصالح والمنافع الشخصية. وما تنطوي عليه القبضة الحديدية لهذا ”الطابو” من عمليات مشبوهة انكشفت فضائحها الجماعية والفردية عبر السنوات الأخيرة وفلتت من الحساب والعقاب، وكانت أيضا ”الفزاعة” في وجه مؤسسات الإنجاز المؤهلة من خارج الولاية، والتي مازالت تقاطع الساحة التنموية المحلية لأكثر من 13 سنة، رغم محاولات الولاة المتعاقبين لفكّ هذا الغلق البيروقراطي دون جدوى. والسر في ذلك أن التركيبة البشرية لذات الطواقم التقنية لا بديل لها في الوقت الراهن، وتحميلها جزءا من المسؤولية قد يعرّضها لما حدث سنة 2006 في قضية ملفات الفساد المالي والإداري للوالي الأسبق في تلك المرحلة، وما نتج عنها من فراغ تقني شلّ دواليب التنمية المحلية، حسب المبررات التي تزيد حصانة لهذا ”الطابو التقني”. وفي ظلّ الجدل العقيم لفحوى هذه الاجتماعات اليومية الماراطونية، فإن المواطن يتقفى آثار التغيير الموعود الذي انتظره طيلة العشرية الأخيرة ولا يجد أي مؤشر له إلا في صالونات وقاعات الاجتماعات، حيث تطارد السلطات في معاركها الخاسرة شبحا مفقودا لتحمّله مسؤولية شلل الورشات المفتوحة التي تأبى حركية التفعيل. آلاف الملايير قبرت تحت الأرض في عمليات عديمة المردود أحمد معبد تخلّص من كابوس الاستعصاء التنموي يشهد ويقرّ الجميع، من مواطنين ومسؤولين وإطارات تنفيذية ومنتخبة وطواقم تقنية بشتى اختصاصاتها، بأن الوالي السابق أحمد معبد كان له الفضل الكبير في التصحيح التنموي، من خلال إعادة تقويم البرامج التنموية وإقناعه للجهات المركزية والسلطات العليا بمزيد من الأموال التكميلية في المخططات الخماسية والمخططات البلدية للتنمية. كما استغل كارثتي الفيضانات التي شهدتها الولاية في أكتوبر 2010 وفيفري 2012 وجعل منها فرصة ل«البزنسة” (وهنا في معناها الإيجابي) مع الحكومة والاستفادة بأموال إضافية كبرامج استعجالية بمبالغ مالية هامة تجاوزت 20 ألف مليار سنتيم، غير أن الوالي ذاته، وبعد سنة، حسب ما كشف عنه ل«الخبر” في تصريح سابق، اصطدم بعوامل تقنية وضعف أداء المسؤولين التنفيذيين والمنتخبين ونكسة الولاية في تأطيرها التقني والتنفيذي، بما جعله يفضّل تغيير موقعه إلى ولاية أخرى هروبا من محاسبته الأدبية على عدم استهلاك الأموال المرصودة لولاية الطارف. وتأكد المسؤول ذاته، كما صرح بذلك، بأن الأموال وحدها غير ضامنة لحقيقة التغيير الميداني في ولاية مثل الطارف، حيث الكل فيها مسؤول والكل غير مسؤول، والوالي في آخر المطاف هو المستهدف. وفيما وُدّع الوالي السابق بالبكاء والحسرة والألم من قِبل الجميع بقاعة المداولات بالمجلس الشعبي الولائي، قبل انتقاله إلى منصبه الجديد بولاية مستغانم، فإنه عكس الجميع تظاهر هو كذلك بالانطباع والإحساس نفسهما، وفي قرارة نفسه كان أكثر أريحية لأنه تخلص من كابوس الاستعصاء التنموي بهذه الولاية، بعدما لبى طلبه بالرحيل صديقه الحميم ”سي عبد المالك”، كما كان يخاطبه عندما كان وزيرا للموارد المائية. مبررات العوائق.. أسطوانة تتكرر كل سنة دون معالجتها وعلى صعيد ترسيم الاعتراف بالعوائق التنموية، أشار تقرير تقييمي لمديرية البرمجة ومراقبة الميزانية إلى معوقات تنفيذ البرامج التمنوية، وحصرها في نقص مكاتب الدراسات المختصة وذات الكفاءة ونقص المقاولات المؤهلة وعدم توفر نقاط التموين بمواد البناء وبعدها، إلى جانب نقص الإطارات التقنية على مستوى المديريات التنفيذية وفروعها عبر الدوائر وأمثالها على مستوى البلديات، والطابع المناخي الماطر للولاية الذي يؤثر سلبا على إنجاز المشاريع، كون مدة ”الصحو المناخي” تمتد على فترة 4 أشهر (جوان، جويلية، أوت وسبتمبر)، ومن أكبر العوائق مشكلة تحويل الأراضي الفلاحية التابعة للأملاك الوطنية والمدمجة في قطاع العمران، خاصة بعد تولي هذه العملية من قِبل اللجنة الوطنية لما بين الوزارات، وهو المشكل نفسه الذي صعّب إيجاد العقار لاستقبال مشاريع التجهيز العمومي. وحسب التقرير ذاته، فإن التحديات كانت كبيرة للتفعيل التنموي في مواجهة هذه العوائق الصعبة، وسجل التقرير نسبة استهلاك الاعتمادات المالية للمخططات الثلاثة من 1999 إلى 2013 بنسبة 64,64 بالمائة، وهذا بمجموع فاق 66 مليار دينار من إجمالي الأغلفة المالية للمخططات الثلاثة بقيمة تجاوزت 102 مليار دينار في البرامج العادية والاستعجالية. وتبقى هذه المعطيات بتفاصيلها الجزئية، من أرقام ومنجزات ونسب الاستهلاك، محل شكوك في مصداقيتها من قِبل أعضاء المجلس الشعبي الولائي في تناولهم لتقييم الوضع التنموي في دورة المجلس الأخيرة، وهذا بالمقارنة مع الواقع الميداني الذي لا يتطابق مع الجهود المبذولة، خاصة أن الاحتجاجات مازالت يوميا في مختلف بلديات الولاية، وعدم اقتناع المنتخبين بتحديد فترة ”الصحو المناخي” في 4 شهر في السنة، إلى جانب الطعن في نسبة 96,98 بالمائة بالنسبة للربط بالمياه الصالحة للشرب ونسبة 96,64 في الربط بشبكة التطهير، في حين أن الواقع الذي يعيشه سكان الولاية يظهر أزمة عطش على مدار السنة ونصف السنة، حيث يستهلك السكان نوعية مياه رديئة، إما ملوثة أو مالحة، مع انتشار التعفن بغالبية أحياء المناطق الحضرية والريفية على حد سواء، لاهتراء شبكات التطهير القديمة التي تعود إلى سبعينيات القرن الماضي، ووجود مجمّعات سكانية تنعدم بها نهائيا شبكات التطهير وتستعمل الخنادق الأرضية. ثروة مائية هائلة ونصف السكان يستهلكون مياها ملوثة ومالحة في انتظار الندوة الصحفية! في محاولة مع والي الولاية، محمد لبقة، طلبنا منه إفادتنا بأهم الترتيبات العملية والقرارات التنفيذية المتخذة بعد مرور شهر عن زيارة الوزير الأول، بشأن خطوات التغيير الميداني والثمار الأولية لمخططه في خارطة الطريق، وكشف عن أجندته التي تتضمن موعدا قريبا لندوة صحفية يستعرض خلالها نتائج مجهودات جهازه التنفيذي والقرارات المتخذة، إلى جانب عرض تقني بالأرقام والنتائج المحققة لتصحيح الوضع التنموي ووجهة قطارها على السكة الجديدة. وإلى أن يحين الموعد الصحفي في الأيام القليلة القادمة، كما وعدنا، فإن الوثبة التنموية تحتاج إلى قرارات شجاعة قد تقلق وتغضب بعض الأطراف التي آلفت الفوضى والاحتماء بالشجرة التي تغطي الغابة.