أحزاب الموالاة تعتبر حجج المقاطعين واهية السلطة فتحت المشاورات والكرة في مرمى المعارضة لم تكتف السلطة بوصف مسودة مقترحاتها بشأن التعديل الدستوري، بأنها ”موجهة على سبيل التنوير فقط، إذ لا تخضع ورشة مراجعة الدستور إلى أي حدود مسبقة”، قصد جلب خصومها من المعارضة إلى طاولة المشاورات، ولكنها أرادت إحاطة مشاوراتها ببيت زجاجي شفاف، بوعدها بتمكين المشاركين فيها من نشر بيانات وعقد ندوات صحفية خاصة وضمان التغطية الإعلامية الواسعة، في مسعى يراد منه إقامة الحجة على المقاطعين. كشف بيان رئاسة الجمهورية، بشكل مسبق، الستار عن نوعية البريد التي وصل إليها عقب توزيعها دعوات لأكثر من 150 جهة بشأن المشاركة في مشاورات التعديل الدستوري، وذكرت في هذا الصدد بأن ”الدعوات قد حظيت بقبول 30 شخصية من بين 36 شخصية، و52 حزبا من بين 64 حزبا مدعوا وجميع المنظمات والجمعيات الوطنية وعددها 37 و12 أستاذا جامعيا برتبة بروفيسور، حتى وإن لم تظهر أسماءهم. ويعني هذا الإجراء أن السلطة ماضية في المشاورات ولن تلجأ إلى تأخيرها، مثلما طلب حزب الحرية والعدالة الذي انتقد قاعدة ”الحوار بمن حضر”. ويفهم من ذلك أن السلطة لم تتخل عن سلوكها في تغليب دوما المنطق العددي، عندما يتعلق الأمر بالملفات الكبرى، بحيث تنظر لكل الأحزاب كعدد وليس كأوزان وامتداد شعبي في الواقع. وسعت السلطة أيضا، من وراء نشر قائمة المشاركين، إلى إعطاء صورة للرأي العام الوطني والخارجي، بأن أقلية فقط من الأحزاب هي من ترفض ”التوافق” الدستوري، وبأن أغلبية مكونات الطبقة السياسية والمجتمعية تحتضن مشروع السلطة، وهو ما ردده الوزير الأول في قراءته لخطاب الرئيس بوتفليقة أمام دورة عدم الانحياز، حيث أكد أن ”إصلاح الدستور سيشارك فيه من منطلق روح توافقية كافة الأحزاب السياسية والشخصيات الوطنية والفاعلين في المجتمع المدني، والمتوخى من هذه العملية هو ترقية الديمقراطية التشاركية وتعزيز الحقوق والحريات الفردية والجماعية، وتعميق الفصل بين السلطات وتقوية استقلال القضاء وتدعيم صلاحيات البرلمان ودوره وتأكيد مكانة المعارضة وحقوقها”، وفي ذلك رسالة إلى الشركاء في الخارج على أن السلطة لم تقص من مشاوراتها أي جهة أو حزب. ولذلك، خرج الأمين العام للأفالان، وهو حزب السلطة الأول، ليعلن للملأ بأن ”الكرة الآن في مرمى المعارضة للمشاركة باقتراحات فعالة بشأن تعديل الدستور، خاصة وأن الوثيقة التي بادر بها رئيس الجمهورية قابلة للإثراء والتعديل، ولا تضع أي حواجز أو ضوابط إلا فيما يتعلق بالقضايا الجوهرية”، وهي شهادة من حزب السلطة على أن هذه الأخيرة أعطت كل الضمانات وما على الرافضين سوى تحمّل مسؤولياتهم. ولعل هذه الشهادة لسعداني هي التي تكون قد أخرجت رئيس الحكومة الأسبق سيد أحمد غزالي عن صمته، معلنا رفضه المشاركة في هذه المشاورات، لكونها تعد بمثابة ”المشاركة في تقديم شهادة زور”. لكن الرد سرعان ما جاء من حزب السلطة الثاني الأرندي، الذي قال على لسان ميلود شرفي إن ”السلطة تسعى من خلال مشاورات تعديل الدستور إلى مواصلة ترسيخ الديمقراطية، وغلق الأبواب أمام الجهات التي تريد أن تستبد برأيها. وللأسف رغم الأيادي الممدودة للتشاور، هنالك من يريد أن ينقل نفسه من موقع المعارضة السياسية إلى الخصومة السياسية”. وبين الخصومة السياسية وغياب التوافق، هي في النهاية مصطلحات تثبت أن الجزائر سلطة ومعارضة أمام حالة انسداد مزمن. المقاطعون غير مقتنعين بجدية السلطة المعارضة ترفض أن تلدغ من الجحر نفسه مرتين تتعامل المعارضة مع مقترحات تعديل الدستور والاستشارة التي ستبدأ حول المشروع، غدا، على أنها محطة يحتاج إليها النظام لضمان ديمومته على المدى القصير، تماما كما ضمن تخطي إعصار الربيع العربي في 2011 لما ”استشار” عبد القادر بن صالح أطرافا كثيرة في المجتمع، وانتهى المسعى ب«إصلاحات” يكاد لا أحد يذكر ما هي، لأنها فارغة واستعملت كحيلة للالتفاف على مطلب التغيير. وتفطّنت أحزاب المعارضة إلى هذه الحقيقة، فرفضت الخوض في مقترحات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة واستشارة مدير ديوانه أحمد أويحيى من أساسهما. بعبارة أخرى، رفضت حركة مجتمع السلم والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وحركة النهضة، وشخصيات سياسية عديدة، المشاركة في لعبة اختار النظام قواعدها وشروطها، واللاعبين الذين سيديرونها وحددت النتيجة مسبقا. فالدستور الذي يقترحه بوتفليقة، يريد له أطرافا تتبناه لإمداده بالمصداقية التي يبحث عنها، لكن هذه الإرادة اصطدمت بإصرار المعارضة على رفض منحه التزكية التي يتمناها لمشروعه. وبالمحصلة، ستتجه الاستشارة التي سيقودها أويحيى إلى حوار بين الرئاسة (في غياب بوتفليقة العاجز عن تنظيم لقاءات بالأطراف التي اتصل بها أويحيى، لأنه مريض)، وأحزاب السلطة (الأفالان والأرندي وتاج وحركة بن يونس)، و«الحزيبات” التي تنتشر في محيط النظام، والعشرات من الجمعيات والتنظيمات الدائرة في فلكه المنتفعة من الريع. وبهذا التصرّف، ستتبنى السلطة مشروعا هي من أعدّته وستعرضه على الأرجح على البرلمان الذي تهيمن عليه أحزابها. ولكن الرئيس ومحيطه يدركان جيّدا أن المقترحات التي يشاع أن خبراء في القانون أعدّوها، ليست جادّة ولا بذلك العمق الذي تستوجبه ممارسة الديمقراطية وإشاعة الحريات، وتجسيد مبدأ التداول على الحكم. تكفي فقط الإشارة إلى الصياغة الهزيلة التي جاءت عليها الوثيقة والركاكة التي طبعت أسلوب كتابتها، وانعدام الانسجام في النص والاختلافات الموجودة بين الورقة المكتوبة بالعربية والورقة المكتوبة بالفرنسية. أحد القياديين في الأفالان قال معلّقا على المقترحات: ”لا يمكنني أن أصدّق أن أسلوب بوزيد لزهاري ينتج عملا بهذه الرداءة”. لزهاري قيادي في الأفالان وأحد أعضاء اللجنة، التي يقال إنها هي من حضّرت المقترحات ورفعتها إلى الوزير الأول، الذي سلّمها بدوره إلى بوتفليقة. لو كان بوتفليقة جادا في مسعى مراجعة القانون المرجعي، وواعيا بمدى أهمية الدستور في حياة البلاد، لما عبث به في 2008 عندما أخضعه لنزوة الخلود في الحكم. ولو كان يعير اهتماما للوثيقة التي أقسم على احترامها، لما عبث بها مرّة ثانية بالرجوع إلى العهدتين كأقصى حد في الترشح. بوتفليقة اكتشف فضائل ”التداول الديمقراطي” بعد أن داس عليه، بحجة أن الشعب سيّد في اختيار الرئيس الذي يريد. وباستثناء مهزلة المادة 74، التي تعكس قمة الاستهتار بالدستور، كل المقترحات الأخرى مجرد حواشي لتزيين مسرحية مبتذلة سيئة الإخراج، يبدأ فصلها الأول غدا، بتوالي مشهد أشخاص سيجتهدون في سرد اهتمامهم بمقترحات بوتفليقة وب«الإصلاحات” التي يعرضها، وسيكتشفون فجأة أن مبدأ الفصل بين السلطات لابد منه لتحقيق التوازن في منظومة الحكم، وبأن القضاء بحاجة إلى أن يستقل عن السلطة التنفيذية وبأن رقابة البرلمان على أعمال الحكومة لابد من تقويتها! حوار يوسف خبابة الأمين العام المساعد بحركة النهضة ل ”الخبر” مبادرة الانتقال الديمقراطي جادة وليست ترفا فكريا أحزاب الموالاة غير مقتنعة بخيار المقاطعة الذي قررته تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي، وتعتبر خطواتكم هروبا نحو الأمام، ما ردكم؟ التنسيقية لم تحبذ المقاطعة، بل طالبت ونادت بحوار جاد وهادف. وعندما لم تلمس إرادة لدى السلطة، سارت في طريقها لعقد ندوتها، وما يسمى بالمشاورات الجديدة، ما هي إلا نسخة طبق الأصل لما تم سابقا دون أن تحقق نتيجة، والرئيس نفسه وعد في خطابه يوم 15 أفريل 2011، بنوفمبر جديد وجمهورية ثانية، لكن النتيجة كانت مخيبة للآمال. والثابت أن السلطة من يمارس الهروب إلى الأمام وتمييع الحوار، ولسنا نحن. نحن مقتنعون أن المشاورات ليست موجهة للجزائريين، بل لإرضاء القوى الغربية، والقول إنها تتحاور مع المعارضة، سعيا لتجاوز مهزلة الرئاسيات الماضية. ما هي أدواتكم لفرض الحل الذي تقترحونه، ألا تخشون في الأخير أن تعتبر المبادرة التي أطلقتموها نوعا من الترف الفكري في غياب وسائل في أيديكم لتحقيق أفكاركم؟ سنطرح رؤيتنا خلال ندوة الانتقال الديمقراطي التي نريدها موسعة إلى الشخصيات والأحزاب المستقلة ذات الثقل السياسي والأدبي، وهدفنا إطلاق مشاورات لاقتراح حلول ذات معني بتوافق ومشاركة الحاضرين، وليس وفق آلية السلطة التي تراهن على الجانب الكمي والعددي. وماذا عن تهمة الترف الفكري؟ ما نعرضه ليس ترفا فكريا، إنها مبادرة جادة نعمل على تسويقها للنخب الجادة في المجتمع والساحة، وللمتنورين في السلطة. مسؤول حزبي في أحزاب السلطة تساءل من أنتم؟ أي بشكل من الأشكال أنكم غير مؤثرين، ما ردكم؟ منطق الاستعلاء وعقلية الكولون ما زالت متأصلة في أذهان لواحق السلطة، وهذا يجد تفسيره في كونهم يملكون أدوات التزوير والريع لشراء الذمم، وهم يتصورون أن لديهم امتدادا شعبيا. هذه الأفكار والعقليات المحنطة، عززت موقف المقاطعين بعدم الانخراط في المشاورات والمواقف التي تصدر عنهم. قاطعتم الانتخابات الرئاسية والمشاورات حول تعديل الدستور، هل يعني هذا أنكم قطعتم شعرة معاوية مع السلطة؟ خطوتنا يمكن اعتبارها قطيعة مع الممارسات والأساليب الاحتوائية التي تمارسها السلطة، ولأننا مقتنعون بأن المشاورات التي أطلقتها السلطة تهدف لكسر الديناميكية التي جاءت بها الأحزاب المقاطعة لانتخابات الرئاسية. هناك قناعة لبعض الأطراف وقوى المعارضة بأن تنسيقية الانتقال الديمقراطي تحالفت ضد الطبيعة، ما ردكم؟ القول بهذا يأتي من أطراف تريد أن تحدث شرخا في صفوف التنسيقية، ويجب أن نوضح أن المبادرة ليست مشروع مجتمع أو برنامجا حكوميا، بل آليات ومبادئ للخروج من الأزمة وتحقيق الانتقال الديمقراطي. الجزائر حاوره: ج.ف رئيس المجموعة البرلمانية للأرندي ميلود شرفي ل ”الخبر” مقاطعة المشاورات استبداد في الرأي في رأيكم، ما الجدوى من القيام بمشاورات جديدة بعد تلك التي تمت قبل ثلاث سنوات؟ أولا، نبارك مبادرة رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة الذي ألح على إشراك كل الشرائح الفاعلة في المجتمع الجزائري، والمشاورات بهذا الشأن لم تتوقف، بل تواصلت. فبعد تلك التي أشرف عليها السيد عبد القادر بن صالح، والتي يشرف عليها حاليا السيد أحمد أويحيى، وقد حققت المشاورات السابقة نتائج ايجابية. وإطلاق مشاورات جدية ضرورة حتمية، فرئيس الجمهورية وعد في الحملة الانتخابية بتعميق الإصلاحات السياسية، وهو يوفي بعهوده لوضع دستور توافق يفتح للجميع أفاقا واسعة. من الشكوك التي رفعتها الأحزاب السياسية المقاطعة حول المشاورات، أن السلطة قطعت سابقا وعودا بالإصلاح، ولم تف بها... إن إعادة تفعيل النقاش بمشاورات واسعة، جاء من منطق أن الدستور ملك للجميع وليس على مقاس مسؤولي المرحلة الراهنة، ودعوة الأحزاب والشخصيات للتشاور يترجم سعي السلطات لمواصلة ترسيخ ثقافة الديمقراطية، والمشككون في هذه النوايا هم الذين يريدون الاستبداد بآرائهم. تبدون غير مقتنعين بخطاب مقاطعة المشاورات التي رفعته قوى المعارضة التقليدية... نعم، لسنا مقتنعين بخطاب المقاطعة للمشاورات، لأن التشاور لم يكن في يوم من الأيام مبنيا على القوة واستعراض العضلات، فهو قيمة إنسانية تقوم على روح التسامح والتعاون. ويبدو أن هناك من لا يفرّق بين التشاور والتفاوض، ونحن نريد مشاورات تكون لنا فيها فرص متساوية وفي التأثير في عملية التشاور والتمتع بنفس الحقوق القائمة على الاحترام المتبادل للآراء المختلفة، إلا أن هناك من يريد تفاوضا لا يخلو من مساومات وتهديد بالانسحاب من عملية تسيير وبناء دستور ديمقراطي. لماذا هذه الحساسية التي تبديها السلطة ولواحقها لمسألة الانتقال الديمقراطي؟ إن خطاب المقاطعين يثير فعلا جدلا في الساحة السياسية فمشاركة أي حزب سياسي في هذه المشاورات يعني أنه ينقل بأمانة ومسؤولية حقوق المواطن إلى السلطة، وامتناعه عن المشاركة يعني حرمان من وضعوا في الثقة من نقل مطالبهم الدستورية إلى السلطة. وعلى الأحزاب أن تدرك أنه مثلما توجد في السياسة ما يفرّقنا، فهناك قضايا تدفعنا للتقارب والاتفاق، فنحن في الأخير نتفق حول مصلحة الوطن. ولكن رأي المقاطعين يجب أن يحترم، هذا خيارهم وهم أحرار فيه... من باب احترام الرأي والرأي الآخر ودعما لهذه الثقافة، فنحن نحترم رأي المقاطعين، كونه خيار فهم أحرار فيه، مثلنا نحن أحرار في اتخاذ المواقف التي نراها مناسبة لبناء وتشييد دستور جزائري توافقي يشعر المواطن في كل التراب الوطني أنه معني به دون سواه. الجزائر حاوره: ج.ف