رمضان هو معاناة الحِرمان من أجل محبّة الآخرين، تذكير بلحظة نهاية الوجود والفناء من أجل الحياة الحقيقية والبقاء، ونحن والقادِمون من الأجيال هو ”تجدّد التذكّر”، ليس فقط تذكّر ما أشرنا إليه ولكنّه تذكّر للمرحلة الأولى التّدشينية للإسلام، وتذكّر لأزمنة أجدادنا وما طرأ من عادات وتقاليد منها ما استمر معنا ومنها ما سوف يكون، وهي عادات تتنوّع بحسب المجتمعات. وهنا يكون الخلط عند بعض النّصوصيين بين السنّة والبدعة فيحشرون ما هو عادة اجتماعية لازم تعبّدًا أو مَنسكًا في مجال التعبّد فيشهرون أحكامهم، ويردّ عليهم مَن يرون ذلك بدعة مستحسنة، وكلا الفريقين لم يُدركَا طبيعة التَديّن حين يتكيّف مع طبيعة سُكان المنطقة الّتي انتقل إليها الإسلام وخصوصيته الثّقافية، كما أنّ سلوك الجماعات البشرية لا يبقى على حالة واحدة فهو يخضع للتغيّر والتحوّل، فما أحوج فقهاءنا إلى قليل من حصائل العلوم الاجتماعية والتّاريخية وتفعيل قواعدهم الأصولية مثل ”الأصل في الأشياء الإباحَة”، ”الأحكام بمقاصدها” وغيرها. إنّ العادات الرّمضانية الرّوحية والاجتماعية الإيجابية هي تجلّيات للمعاني الكبرى للصّوم ويكون فيها ”الإبداع الجماعي”، هكذا يعود رمضان لينقلنا إلى ذلك الزّمن البسيط في حياة مجتمعاتنا العربية حين كان أجدادنا يَقهرون العطش والحرارة بالصّبر، فلم تكن هذه الوسائل التكنولوجية القاهرة للطبيعة حاضرة، وما كان من تعبّد وإكثار للخير وسَمر ليلي وتكافل اجتماعي، ونعيد في بعض المجتمعات الإسلامية عادات ضمن أفق جديد، وتتقدّس اجتماعيًا بعض الأكلات ويكون لها الحضور الرّوحي ”فالتّمر فاصل بين حرمان لساعات وبداية تمتّع لسويعات للنّوم منها الجزء الأكبر”، والكسكس ”حبّات القمح المقدّسة” عند المغاربة هو ”وجبة السّحور المباركة” فله قدسيته هنا في الشّعائر التعبّدية وفي الجنائز وولائم تجدّد العلاقة مع الصّالحين. هكذا نتذكّر الأجداد وما سَلف من خلال الحِرمان والطّعام وصلاة التّراويح وفِعل الخير وتكرار أهازيج استقبال رمضان، فلرؤية الهلال حكاية في تاريخ مجتمعاتنا، فقد كانت مناسبة جماعية -قبل التّلفاز-يَخرج فيها الرّجال والنّسْوة والأطفال لمشاهدة قبيل المغرب آخر شعبان بداية تشكّل الهلال واتّخذوا منه رمزًا، وكذا مشاهدة اكتماله لانتظار تتجدّد معها معاني ”الفناء والبقاء” ودورة الخصب انتظار الفرج والجزاء ”كلّ عَمل ابن آدم له إلّا الصّوم فإنّه لِي وأنا أجْزِي به”.