رئيسة الأرجنتين كريستينا فرنانديز دي كيرشنر، رئيسة البرازيل ديلما روسيف ورئيسة الشيلي ميشيل باشيليه، نساء بمائة رجل من حكامنا العرب، ثلاثتهن أثبتن أنهن وفيات لمبادئهن الثورية التي تشربن منها في مسيرتهن النضالية التي توجت بكرسي الرئاسة الذي لم يكن طريق الوصول إليه مفروشا بالورد. فرئيسة البرازيل ديلما روسيف التي ذرفت الدموع وهي تتحدث عن شهداء غزة، كانت من أول من سحب سفيره في تل أبيب، وهو ما انتقدته الخارجية الإسرائيلية، كما وصفت روسيف في تصريحاتها للإعلام البرازيلي ما يحدث في غزة بالمجزرة، معبّرة عن أسفها لتصاعد العنف في القطاع، ووجهت انتقادها لإسرائيل بسبب استخدامها العنف غير المتكافئ في غزة الذي وصفته قائلة “إن ما يجري في غزة أمر خطير، لا أعتقد أنها إبادة جماعية ولكني أرى أنها مذبحة”. ويعرف عن روسيف أنها من أشد المؤيدين للحق الفلسطيني بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة التي اعترف بها سابقها لويز لولا دا سيلفا، وتعهدت بعده خليفته روسيف بالالتزام بسياسته. ولا يأتي هذا إلا من ثائرة يقال إن سيرتها الذاتية تشبه سيرة البطلات في الأعمال الروائية الجاسوسية والبوليسية، فعندما كانت في العشرين من العمر، ناضلت في صفوف اليسار. وفي عهد الديكتاتورية، انسحبت من دوائر الحياة العلنية، وانتقلت إلى الحياة في الخفاء والسر. ووقعت في الأسر حيث سجنت لثلاثة أعوام، وذاقت طعم عمليات التعذيب المرير. ويسمى أمثالها في البرازيل ال”دورونا”، المرأة الصلبة أو الحديدية. أما رئيسة الأرجنتين، كريستينا فرنانديز دي كيرشنر، فخروجها فقط في مقدمة المسيرات المنددة بالعدوان الإسرائيلي على غزة متزينة بالكوفية الفلسطينية، كفيل بجعل الرؤساء العرب يدفنون رؤوسهم في الرمل مثل النعامة. وأكثر من ذلك، أفحمتهم الرئيسة الأرجنتينية التي كسبت حب شعبها فأعاد انتخابها عن قناعة لعهدة رئاسية ثانية بإعلانها عن سحب الجنسية الأرجنتينية عن منتسبي الجيش الإسرائيلي من حملة الجنسية المزدوجة، بسبب مشاركتهم في مجازر إرهابية بحق الشعب الفلسطيني. موقف كريستينا كيرشنر لم يكن سابقة، فقد أكدت قبل أربع سنوات دعمها لفلسطين بعد أن حذت حذو البرازيل واعترفت بفلسطين دولة حرة مستقلة في حدود 1967، في رسالة وجهتها إلى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس سنة 2010. هذا الاعتراف رد شجبته إسرائيل واعتبرته موقفا مؤسفا، حيث جاء في تصريح للمتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية، ييغال بالمور، أن بلاده تعتبر أن اعتراف الأرجنتين بفلسطين “دولة حرة ومستقلة ضمن حدود 1967 مؤسف”. رئيسة دولة الشيلي، ميشيل باشيليه، هي الأخرى لم تغرد خارج سرب حاملات مشعل شي غيفارا، فقد كانت بلادها كذلك من أوائل الدول التي سحبت سفيرها من الأراضي المحتلة، بسبب ما وصفته ب”تصعيد العقاب الجماعي حيال المدنيين في غزة”، منددة بإطلاق الصواريخ الإسرائيلية على غزة في حرب غير متكافئة. ودعمت باشيليه التي تقيم في بلادها جالية فلسطينية كبيرة، المسيرات المؤيدة لفلسطين والمنددة بالعدوان الإسرائيلي على غزة، وهو الموقف الذي انتقدته إسرائيل واعتبرته “أمرا مؤسفا”. وطبعا مثلما اشتهرت رئيسات في أمريكا اللاتينية بنضالهن ودخولهن السجون خلال العهود العسكرية في بلادهن، مثل رئيسة البرازيل ديلما روسيف، ورئيسة الأرجنتين كريستينا كيرشنر، وجدت رئيسة الشيلي السابقة نصيبها من النضال والتعذيب، وأكثر من نفيت خارج وطنها الذي عادت إليه طبيبة أطفال ومناضلة سياسية وعسكرية أيضا. التأمل في مواقف هذه السيدات يؤكد حقا أنه ليس الدم وحده ما يحرك النخوة في الشعوب، بل هناك روابط أقوى.. فشتان بين نساء بمائة رجل تفصلهن آلاف الأميال عن غزة الجريحة، وبين حكام ينطقون لغة الضاد تقع بلادهم على مرمى حجر من القطاع.