ليست المواطنة نصوصا مسطرة في الدفاتر أو قوانينا وتشريعات يُتشدق بها في المؤتمرات أو المناسبات الوطنية والدولية .. وليست ورقة رابحة في أيدي الساسة الصالحين منهم والطالحين، يستخرجونها من أدراج مكاتبهم عند الحاجة إليها. هذه مواطنة مزيفة يضحكون بها من سخافة من يعتصم بها، ويثبتون بها أن كبرى المفاهيم التي تؤسس لبناء مواطن صالح ليس لها عندهم حرمة أو قدر محفوظ. أي مواطنة هذه التي تسوي بين الناس في الواجبات وتفرق بينهم في الحقوق، تقدم أصحاب الحظوة من المال والسلطان والجاه والقوة، وتؤخر غيرهم من الناس حتى لا يظفر أحدهم بحقه في أن يُستقبل بشرف واقتدار من طرف المسؤولين، ويُصغى إلى شكواه باهتمام وصدق؟ أي مواطنة تلك التي ترمي صاحبها على أعتاب اليأس وتوصله إلى أبواب الانتحار؟ لقد بُحت أصواتهم وضجت الدنيا بصراخهم: لا نريد إلا حق المواطنة كاملا غير منقوص كما ترسمون صورته المشرقة بكلماتكم وخطاباتكم. هل جرّبتم أن تحرموا أنفسكم من الحقوق التي تحرمون منها غيركم؟ أين أنتم من الضمير الإنساني؟ أين أنتم من حقيقة الإيمان بالله؟ انتهكتم حق المواطنة وحق الإسلام وأخوة الإيمان، فما الذي يعيدلكم رشدكم؟ ما الذي يجعلنا في أعينكم مواطنين لنا الحق في العيش الكريم والحياة الطيبة؟ ماذا نفعل لنثبت لكم أننا نحن أيضا بشر مثلكم تماما، لنا عليكم أن تحترموا فينا روح الإنسانية ورفعتها ولكم علينا مثل ذلك؟ لله دركم يا ...كيف ترتفعون بنا وباسمنا ثم ترتفعون عنا؟ كيف تنزلون إلينا غير مستحين من حين إلى حين تبذلون لنا ما جادت به قرائحكم من الخداع والنفاق والكلمات المنمقة، ثم ترفعون أنفسكم عنا جاعلين بيننا وبينكم حواجز وأبوابا وحراسا كأنكم تخافون منا أن نغدر بكم كما تغدرون بنا وأن نقلق راحتكم كما تقلقون حياتنا. لله درّكم يا... ما أبرعكم وأشقى براعتكم حين فتحتم الأبواب أمام المرأة وأغلقتموها أمام الرجل، حتى جعلتم منهما طرفين متقابلين متنافسين على كل شيء، فتحتم أمامها أبواب الفتنة بكل أنواعها وزعمتم أن هذا من حقوق المواطنة وكرامة المرأة، والحق أنكم أفسدتموها كما أفسدتمونا، لم تبقوا امرأة واحدة في خدرها حتى أنفته، لم تبقوا لها حرمة ولا سترا، وقلتم هذه حقوق المواطنة. لماذا فتحتم أبواب الوظائف كلها أمام المرأة وأغلقتموها أمام الرجل...الله حسبكم ..وهو وكيلكم وخصمكم.. جعلتموها أرجح في الميزان من الرجل وقلتم هذه مساواة.. قلبتم معادلة الأسرة حتى شال فيها الميزان، واضطرب نظام المجتمع حتى التقت حول الكل حلقتا البطان فلا بقي الرجل رجلا في موقعه و لا المرأة امرأة في موقعها. لن نتجاوز أقدارنا ونطالبكم أن تعاملوا أبناءنا كما تعاملون أبناءكم، ولكن نطالبكم أن تنظروا إليهم نظرة الإنسانية، فترفعوا عنهم مؤونة العمل في العطل ليضمنوا مصاريف دراستهم، وأنتم على ذلك قادرون. نطالبكم أن يدرس أبناؤنا في أقسام دافئة كريمة، مثلما يلهوا أبناؤكم في إقامات فخمة. أترون إننا نتجاوز أقدارنا لو طالبناكم أن لا تغلقوا كل الشوارع عند نزولكم إلينا؟ فإن لنا مرضى قد يموتون بين أيدينا ونحن ناظرون مروركم المريح حتى تفتح الشوارع التي أغلقتموها، إذا كنتم تخافون منا وتخشون غوائلنا فوفّروا على أنفسكم هذا العناء، ولا تزيدوا في شقائنا جرعة. ثمة أسئلة ما زالت منذ حين تراودني فهل أجد عنها عندكم ما يشفي الغليل؟ ما نحن عندكم؟ ما تقولون عنا في مجالسكم؟ أتضحكون من تعاستنا وأنتم سامرون؟ هل تهتمون لأمرنا حقا كما تزعمون؟ ألستم جزء من هذه الأرض مثلما نحن أيضا جزء منها؟ فكيف تمردتم على ترابها وصرتم شيئا أنكرته طينتها؟ هل حقا تنتمون إلينا كما ننتمي إليكم؟ متى تصدّون عنا سهام الظلم التي تناوشنا من كل اتجاه؟ أليس الدفاع عنا وحمايتنا أوجب عليكم؟ فلم تتمترسون خلفنا وتجعلون منا الدروع التي تحميكم والمراكب التي تحملكم والسلاح الذي تحاربوننا به؟ تضربوننا بنا ثم تخرجون منا سالمين موفورين فالله حسبنا وحسبكم. أما تعلمون أنكم حينما تسلبون منا روح المواطنة إنما توغرون صدورنا وتكسرون خواطرنا وتقصمون ظهورنا؟ تملأون قلوبنا بحب الانتقام وأخذ الثأر من أي شيء تطوله أيدينا، قد ننتقم من أنفسنا أو منكم أو من غيركم أو من التراب الذي أحببناه ونبتنا فيه. ألا ترون أحدنا إذا صار إلى ما صرتم إليه أصبح مثلكم أو أسوأ منكم؟ فهذا ضرب من الانتقام. ألا ترون بعضنا ينسى إذا صار إلى حيث صرتم نسي من جاء منهم كأنه لم يكن منهم؟ فهذا ضرب من الانتقام. أما إنكم تعاقبون ناسا لفسادهم، ولو أنصفتم لعاقبتم أنفسكم فأنتم من دفعهم لأخذ الثأر واستعجال الرزق بالحرام لأنكم حلتم بينهم وبين ما يحق لهم من العيش الكريم، أغريتمونا بفسادكم ففسدنا ولو أغريتمونا بصلاحكم لصلحنا. لا نحن ملائكة ولا أنتم شياطين ولكنكم تملكون زمام أمورنا ولا نملك منكم زماما، فانظروا إلينا نظر الإنصاف لا نظر التهمةوالريب. هذه كلمات حَرّى أقدمها بين يدي آلامي وحسراتي مما أصبحت وكثير مثلي يلاقيه من أذى في أرض لا زالوا يزعمون أنها تفوح بطهر الشهداء رغم ما أحدثوه فيها من فساد. *مواطن من تلمسان