آثار المشاركون في ندوة ”الخبر”، حول المسرح الهاوي ودوره في إثراء الحركة المسرحية في الجزائر، على هامش الأيام الوطنية ال22 التي نظمتها جمعية المهرجان لمدينة سكيكدة، عدة نقاط للنقاش، حيث يعاني المسرح الهاوي بالجزائر، من عدة مشاكل وعراقيل تسببت في جفاف أحد أهم الأوردة التي تمد الحركة المسرحية في الجزائر بالحياة، مما أصابها بالركود والرتابة وأحيانا الموت البطيء. أجمع المهنيون وممتهنو المسرح الذين تحدثوا ل ”الخبر”، إن مسرح الهواة هو الخزان الممول للمسرح المحترف، بل إن أغلب الممثلين الحاليين قد تخرجوا من مدرسة مسرح الهواة قبل وبعد الاستقلال، وسطع نجمهم في مختلف مسارح العالم، على غرار المرحوم رويشد، مصطفى كاتب، كلثوم، حسن الحساني وغيرهم. ودام العطاء إلى غاية الثمانينات، ليتوقف الركح في العشرية الحمراء، حين أغلقت أغلب المسارح أبوابها بعد أن فقدت الخشبة جمهورها، فكانت العروض تبرمج وتلغى لغياب الجمهور. حدث هذا في بعض المسارح التي حاولت كسر الركود، حيث تشتكي الفرق الهاوية من قلة الإمكانيات وافتقارها لوسائل العمل، خاصة من حيث الديكور المكلف أحيانا، إلى جانب الظروف الاجتماعية للممثلين التي تؤثر سلبا على عطائهم الإبداعي، فأغلب الممثلين الهواة يفضلون البحث عن لقمة عيشهم وما يلبي حاجات أسرهم، قبل التفكير في حبهم لهوايتهم، عكس المحترف الذي يقبض أجرة شهرية، بالإضافة إلى مشاكل أخرى.. المسرح الهاوي هو خزان الحركة المسرحية في الجزائر يرى رئيس جمعية مهرجان المسرح لمدينة سكيكدة، الأستاذ عبد المالك بن خلاف، إن مسرح الهواة لعب دورا هاما في نشر الثقافة المسرحية في الجزائر، بل زوّد معظم المسارح الجهوية بممثلين وما زال ليومنا هذا. ويوضح الأستاذ إن قمة ازدهار مسرح الهواة كانت في السبعينيات، حيث أسست عديد الجمعيات، كما أنتجت عديد المسرحيات. مضيفا إن للهواة الفضل في نشر المسرح بالقرى والمناطق النائية، حيث كانت الفرق الهاوية التي تعتمد في غالبية الأحيان على ديكور بسيط تتنقل إلى هذه المناطق لتقديم عروضها، كون المسارح المحترفة لم تكن قادرة على فعل ذلك لأسباب تقنية، تتمثل في صعوبة نقل الديكور ووسائل عملها. لكن في الثمانينيات بدأ مسرح الهواة ينكمش وعدد الفرق يتقلص، وهذا راجع حسب المتحدث لعدة عوامل، منها كثرة المسارح الجهوية التي أصبحت توزع في إنتاجها الممثلين الهواة بمقابل مادي مغري، مما أحدث نزيفا حادا في الفرق الهاوية. هذا من جهة ومن جهة أخرى التوجه الاقتصادي والوسائل المادية أصبحت أكثر من ضرورية لحياة الفرق الهاوية. ومن أجل الترقية والمحافظة على مسيرة مسرح الهواة، يؤكد الأستاذ بن خلاف على ضرورة المحافظة على النشاط المسرحي الهاوي، بالإضافة إلى الاهتمام أكثر بالفرق المسرحية الموجودة من طرف السلطات المعنية، وتشجيع الشباب الهاوي بتوفير التكوين والدعم المادي وإدخال المسرح كمادة تدرس في مراحل التعليم. المسرح يبدأ من المدرسة يرى رئيس جمعية ”المسرح الجديد لمدينة يسر” المخرج عبد الغني شنتوف، أن المسرح على العموم هو فعل هاوي لهذا الفن دون مقابل. مضيفا ”نجد الكثير ممن يهتمون بهذا المسرح لكن يجب تأطيرهم وتكوينهم، لكي تنضج خبرتهم وتجربتهم على أسس صحيحة، لكي نجد بعد فترة وجيزة ثمرة هذا التأطير متمثلة في خزان يكفل استمرارية هذا الفن”. ويعتقد عبد الغني شنتوف أن المحافظة على مسيرة مسرح الهواة كأي مجال من المجالات الفنية الأخرى، يحتاج مسرح الهواة إلى تأطير الشباب وتكوينه على مستوى المدارس، ابتداء من الطور الأول كما كان معمول به في السبعينيات إلى غاية الثمانينيات، موضحا ”لعبت وقتها المدرسة دورا كبيرا في تدعيم الحركة المسرحية، حيث كانت المدارس تهتم بالنشاط المسرحي عكس ما يحدث حاليا، إذ أصبح تواجد المسرح يقتصر على بعض المحاولات في الجامعة، لكنها تبقى محدودة عكس المدرسة الابتدائية”. يعتقد الممثل المحترف نور الدين مرواني من المسرح الجهوي بقسنطينة، من جهته، أن العشرية السوداء هي نقطة الفصل، حيث أن جيلا كاملا ذهب ولن يعود. مضيفا أنه بعد عشرين سنة جاء جيل آخر له اهتمامات أخرى من غناء وطرب. معتبرا أنها المصيبة الكبرى. والدليل يتساءل نور الدين أين مسرح الهواة؟ بقي مهرجان مستغانم ومهرجان سكيكدة فقط. وشدد نور الدين على أهمية وجود التواصل ما بين المدرسة والمسرح، مضيفا ”يجب الرجوع إلى ثقافة السبعينيات، أي العمل بنفس المنهج وضخ الأموال إلى الجمعيات والتعاونيات وتنشيط عدة ورشات تكوينية وتحفيز العاملين فيها حتى نحافظ على هذا المكسب ونصل إلى خلق مهرجانات دولية لهذا المسرح”. العنصر النسوي الغائب الأكبر تعاني الفرق الهاوية من عزوف العنصر النسوي عن المشاركة في نشاطاتها لأسباب متعددة، خاصة في المناطق الداخلية والنائية، حيث كانت مشاركة المرأة في مجموع المسرحيات المعروضة ضعيفة جدا، لم تحضر سوى ممثلتين واحدة من فرقة بالأغواط وأخرى بفرقة من بلعباس. وقال المخرج إبراهيم رحمون في تصريح ل”الخبر”، على هامش عرض مسرحيته ”عويل الزمن المهزوم” لجمعية الناقوس من الأغواط، إن فرقته تضم عنصرا نسويا واحدا. مرجعا ذلك إلى عادات وتقاليد المنطقة المحافظة، حيث العنصر النسوي في الأغواط لا يزال لم يكتسح الخشبة بعد، عكس حضوره في مسرح الطفل، إذ نجد عددا معقولا من الفتيات، لكنهن يتوقفن عند بلوغ سن العشرين للأسباب المذكورة. نفس الرأي يتبناه الأستاذ بن خلاف الذي يقول إن العنصر النسوي غائب تماما في مسرح الهواة كممثلات أو كمشاهدات، وعلى عكس الرأيين السابقين، يشير الممثل المحترف عبد الغني شنتوف أن هناك اهتمام كبير بمسرح الهواة من قبل العنصر النسوي ولكنه في تراجع والسبب يرجع إلى غياب التواصل ما بين المدرسة والمسرح.