المعروف عن المرأة ميلها بحكم طبيعتها إلى السلم وتفضيلها الصلح في حالة الحروب الأهلية، الأمر الذي يلتقي مع النظرية التي توصلت إليها رائدات ومنظرات الموجة الثالثة للنسوية، وهي رؤية غير مفارقة للواقع، حيث تؤكد الخبرة التاريخية أن النساء من كل الأجناس وعلى عكس الرجال، يفضلن في حال النزاعات والصراعات الداخلية السلام والوئام على الحرب والصراع، نتاج تأثير القيم الأنثوية الإيجابية التي تمثل جزءا من كينونة المرأة وتركيبتها، تماما كما ترفض الصدام بين أفراد أسرتها وتسعى للحفاظ على وحدتهم وتحقيق الأخوة بينهم، الأمر الذي استثمرت فيه الأممالمتحدة عملا بالنتائج التي توصلت إليها المقاربات النسوية في هذا الموضوع، حيث سعت إلى تمكين المرأة من دوائر صنع القرار على المستوى التنفيذي والتشريعي، حتى تؤدي دورها الهام في حل النزاعات وحفظ السلام وتأمين السلم وصيانته. إنها رؤية تتناقض تماما مع حقيقة ارتفاع عدد النساء المنتسبات إلى داعش بشكل لافت، حيث برزت ظاهرة تجنيد النساء بعد أن قام التنظيم بتأسيس كتيبتين للنساء باتتا الأخطر بالنسبة للنشاط النسوي على مستوى الجماعات المسلحة والتنظيمات الجهادية، الأمر الذي دفع كثيرا من مراكز البحوث التي رصدت الظاهرة للمسارعة في البحث عن أسبابها، لاسيما أن القاعدة قد اختلفت عن داعش في قضية تجنيد النساء، حيث كانت أكثر تشددا في عملية استقطاب المرأة ل ”الجهاد” لأسباب تخص قضايا المحرم والتواصل والاختلاط، رغم وجود نساء نشطن في الترويج لفكر القاعدة وفي التمويل والاتصال، مثل هالة القصير وأم اليزن وأم سليمان وأم صهيب وأروى البغدادي وأغلبهن من السعودية واليمن، وارتباطهم بالقاعدة عادة ما يكون نتيجة علاقة بالزوج أو الأخ أو الأقارب من المحارم، عكس داعش التي تقوم باستقطاب النساء بشكل واضح عبر المواقع الإعلامية بهدف تجنيدهن، وقد تمكنت من استقدام نساء من الغرب ومن مختلف الدول العربية، ما يدعو إلى طرح مجموعة من الأسئلة حول دافع هؤلاء النسوة من الالتحاق بالتنظيم، لاسيما خروجهن عن المألوف الذي يعتبر خروجا عن طبيعة المرأة وموقفها من الحروب الأهلية، فضلا عن ممارسة المرأة العنف ضد المرأة، حيث تتولى المرأة الداعشية بنفسها عبر الكتائب النسائية التي تم تأسيسها مثل ”الخنساء” و ”أم الريحان” عمليات الاعتقال والتعذيب والقتل، كما أنها تشاهد بنفسها عمليات الذبح والقتل والتمثيل والسبي وفرض نوعية اللباس والنقاب على النساء وكذا الجلد والرجم، فضلا عما ذكرته تقارير للأمم المتحدة حول فرض ختان النساء في العراق، ومع ذلك تتجاوز النساء المجندات طبيعتهن ويتماهين مع أكثر الممارسات بشاعة، حتى وإن لم يتسحقن حتى التواجد بذواتهن في الكتائب التي لا يحق فيها أن تنادى المرأة باسمها الذي يمثلها، فكلهن أم فلان وعلان مع أن أغلبهن لسن أمهات، بل وصلت درجة التماهي مع دوامة العنف لدرجة تصريح إحداهن بأنها كانت تتمنى لو أنها هي من قام بذبح الصحفي الأمريكي بدل أخيها الداعشي. وسؤال العتبة في هذا الموضوع يتطلب صراحة وجرأة ووضوحا بقدر الدماء التي سالت، والمدن التي دمرت، والأعراض التي هتكت، كاشتراط أول للبحث في هذه المواضيع ذات العلاقة بالمقدس وتأويل النصوص، والتي بقيت بعيدة عن أي اجتهاد جديد، إلى أن جاء هؤلاء الشباب ليقرؤوها مباشرة من أمهات الكتب، وينفذوها كما أدركوها واستوعبوها. والاشتراط الثاني هو تحمل الصعاب في الرد على السؤال، لأنه ما أسهل أن يشد رجل أو امرأة الرحال باتجاه ما يعتبره جهادا سيقوده إلى الجنة بناء على قراءات وتفاسير موجودة في أمهات كتب التراث، ولكن ما أشد تلك المشقة التي ينبغي أن يتحملها الباحث والخبير والعالم عندما يقارب قضية مركبة مغلفة بالمقدس ومحاطة بالألغام الوهمية، وإن كانت المسافة الفاصلة بين الوهم والحقيقة بسيطة ومحدودة، لاسيما في مواضيع الحدود وتطبيق الشريعة، وهو الاشتراط الثاني. لقد حان وقت المواجهة الفكرية، لأن الشاب أو الشابة عندما تقرأ النصوص وتأويلاتها قراءة مباشرة، تسعى إلى تنفيذها بشكل مباشر أيضا، ولابد من الاعتراف بأنه لا بديل لاجتهاد عصري يتطلب ثورة علمية ومعرفية، تفتح ملفات كبريات القضايا الخطيرة التي بين أيدي التنظيمات الجهادية، تتجاوز التأويلات الوحيدة الموجودة بين أيدي الجهاديين والجهاديات، والداعشيين والداعشيات.