يختار الرئيس بوتفليقة واحدا من 3 سيناريوهات لمنع تكرار كارثة 13 أكتوبر، وتفرض المصلحة العليا للدولة، حسب مصدر عليم، على صناع القرار استعادة عنصري الردع والضبط والربط اللذين باتا في خبر كان في جهاز الشرطة الجزائرية، ومهما تأخر قرار تنحية اللواء عبد الغني هامل فإن الرجل سيغادر منصبه، لأن الرجل فشل في قيادة الجهاز وفشل في فرض هيبة القيادة. قد يواجه المئات من عناصر وحدات التدخل وربما العشرات منهم الإحالة إلى محاكم جزائية في حالة اتخاذ قرار بتفعيل المادة رقم 30 من القانون الأساسي للشرطة، والمادة رقم 112 من قانون العقوبات الجزائري، ولكن قرار إحالة هؤلاء على لجان التأديب الوظيفي ثم المحاكم الجنائية لن يتم إلا في حالة إقرار ذلك من قبل سلطة عليا، هي القاضي الأول في البلاد، وقد وضعت التطورات الأخيرة الرئيس بوتفليقة ومعه صناع القرار في الجزائر في وضع حرج، فمن جهة تتخوف السلطات من احتمال تجدد الاحتجاج في حالة متابعة عناصر الشرطة المشاركين في الاحتجاج أو “محرضيهم”، لكن العرف العسكري والأمني يقول في الجانب الثاني إن التعامل مع احتجاج الشرطة بنفس طريقة التعامل مع احتجاج المعلمين يعني الإخلال بالمنظومة الأمنية للجزائر، كما أن السلطة ستفقد حينئذ عنصر الردع في تعاملها مع الأسلاك النظامية مع ما يحمله هذا الاحتمال من مخاطر على الأمن الوطني في المستقبل. وباتت السلطات العليا الآن مرغمة على الاختيار بين تجاوز إضراب الشرطة في غردايةوالجزائر، وتحمّل تبعاته الأمنية على المدى البعيد التي ستؤدي إلى احتمال تكرار الإضراب وربما بشكل أكثر اتساعا وتأثيرا، وبين تطبيق القانون بصرامة ضد عناصر الشرطة المحتجين لمنع تكرار كارثة 13 أكتوبر، مع ما يحمله قرار مثل هذا من تأثيرات ونتائج، وسيقرر الرئيس بوتفليقة ومعه صناع القرار في الجزائر الاختيار بين 3 سيناريوهات من أجل منع تكرار الفشل الذريع لمنظومة القيادة والسيطرة والتي تسمى أيضا الضبط والربط وانهيار منظومة الردع في الأسلاك النظامية والتي فرضت بتقاليد شديدة القسوة، كان من بينها إعدام العقيد شعباني قبل 50 سنة. ويختار صناع القرار أحد السيناريوهات الثلاثة، أولها الشروع في عمليات نقل وتحويل في الوحدات الجمهورية للأمن تنتهي بتغيير كلي لتشكيلات الوحدات الحالية، مع إحالة عدد كبير من العناصر إلى مجالس تأديبية من أجل إعادة فرض الانضباط في هذه الوحدات مع تحميل قيادات الوحدات التي شاركت في الاحتجاج مسؤولية الفشل الأمني الذريع. كما قد تلجأ السلطات لإعادة تشكيل جهاز الوحدات الجمهورية للأمن وإبعاده عن المديرية العامة للأمن الوطني، أما الخيار الثاني فهو عزل العناصر المشتبه في أنها كانت وراء تحريك الاحتجاج عن الوحدات الجمهورية للأمن، ثم التعامل معها عبر تفعيل المادة 30 من القانون الأساسي للشرطة والمادة رقم 112 من قانون العقوبات التي تحمل عنوان تواطؤ الموظفين، وتنص على “أن اللجوء إلى إضراب أو أي شكل من أشكال التوقف المدبر عن العمل عقوبتها من شهر إلى ستة أشهر”. أما الخيار الأخير هو إعادة تنظيم وتشكيل كل المديرية العامة للأمن الوطني بفروعها، خاصة جهازي الاستعلامات العامة والوحدات الجمهورية للأمن، وفي كل الحالات فإن السلطة قد تعمد لتوفير منصب مريح للواء هامل لكن ليس في جهاز الأمن الوطني. ورغم تعهد وزير الداخلية الطيب بلعيز، أمام عناصر الشرطة المحتجين، قبل أسبوع في غرداية، بعدم متابعتهم بعقوبات تأديبية وجزائية بعد الإضراب الأول من نوعه في جهاز الأمن الوطني، فإن تعهد الوزير قد يتلاشى أمام المصلحة العليا للدولة التي تقتضي في المقام الأول الحفاظ على عنصر الضبط والربط في الأسلاك الأمنية، ويقتضي ذلك تسليط أقسى عقوبة على المخالفين لتعليمات القيادة في الأسلاك النظامية. ولم يستبعد مصدر عليم أن تلجأ وزارة الداخلية ومعها المديرية العامة للأمن الوطني إلى تطبيق عقوبات إدارية ضد مجموعة كبيرة من عناصر الوحدات الجمهورية للأمن، بعد انتهاء التحقيقات الجارية على عدة مستويات أمنية وجنائية، وقال مصدرنا إن أكثر من جهاز أمني في الدولة يحقق حاليا حول نقطتين رئيسيتين: الأولى هي التقصير الأمني الذي أدى إلى عدم توقع الكارثة قبل وقوعها، والثاني هو كيفية نجاح الاحتجاج في إخراج الآلاف من عناصر وحدات التدخل إلى الشارع ورفضهم العلني تطبيق تعليمات القيادة. وتهدف التحقيقات للوصول إلى مجموعة محددة من عناصر الشرطة الذين يفترض أنهم شكلوا النواة الصلبة للاحتجاج، واعتبار باقي العناصر مجموعة تم تحريضها على العصيان.