أكدت دراسة ميدانية حديثة أن متوسط الأجر الشهري للجزائريين لا يتجاوز 30 ألف دينار، فيما تصل مستويات النفقات في معدلها إلى 60 ألف دينار على مستوى كل أسرة، ما يؤكد على وجود هامش كبير بين مستوى الدخل الشهري للأسر وارتفاع أسعار مختلف المنتجات الواسعة الاستهلاك، الأمر الذي يدفع العائلات الجزائرية عادة إلى الاعتماد على آليات الاستدانة والدفع بالتقسيط لاقتناء الحاجيات الضرورية. وفي هذا الشأن، فسّر رئيس جمعية حماية المستهلك وإرشاده، مصطفى زبدي، اتساع الفرق بين قيمة مداخيل الأسر الجزائرية من جهة، وحجم النفقات من جهة أخرى، بتراجع القدرة الشرائية للمواطنين على الرغم من محاولات الحكومة في التخفيف منها عن طريق الزيادات في أجور الموظفين، على اعتبار أن الارتفاع المستمر لأسعار المنتجات الأساسية، فضلا عن غيرها، “يلتهم” هذه الزيادات ويلغي الفائدة منها. وأوضح المتحدث، خلال ندوة صحفية نشطتها الجمعية حول موضوع القدرة الشرائية، بأن أسعار مختلف السلع والخدمات خلال السنة الجارية سجلت في المتوسط ارتفاعا وصل إلى 100 في المائة بالمقارنة مع سنة 2013، وهو ما يدل على استمرار المنحنى التصاعدي للأسعار تحت ذريعة أن السوق تحكمه قاعدة العرض والطلب، المعطلة عبر الممارسات المرتبطة بالاحتكار والمضاربة. واعتبر الخبير الاقتصادي مراد برور، من جهته، ضعف القدرة الشرائية للجزائريين مجرد مظهر من مظاهر الخلل الذي تعانيه السياسة الاقتصادية القائمة على منطق الريع البترولي، وتوزيع النفقات والمداخيل المتأتية من صادرات المحروقات الخام، في شكل أجور أو الدعم للأسعار تضاعف الطلب المحلي المشجع للاستيراد والإنتاج الأجنبي، بدلا من دفع الإنتاج الوطني، وأشار بالمقابل إلى التداعيات الخطيرة لتراجع أسعار البترول في السوق العالمية على تغطية النفقات العمومية المعرضة للعجز، بالإضافة إلى الخلل المحتمل في الميزان التجاري، كون أن ما يفوق 95 في المائة من المداخيل مرهون حجم إنتاج وتصدير المحروقات وأسعارها في البورصة الدولية التي لا يمكن للحكومة التحكم فيها. وشدد المتحدث على ضرورة ضمان السلطات العمومية القيام بدورها في مجال مراقبة السوق وضبط الممارسات التجارية، من خلال تتبع مراحل المعاملات لتجنب التهرب الجبائي الذي عادة ما يرتبط بممارسات الفساد. وتساءل برور عن الأسباب التي تجعل الحكومة تغض الطرف عن المعاملات نقدا والتهاون في فرض الصكوك، وأشار إلى أنه يمكن لأي كان أن يشتري عقارا والدفع نقدا، ما يفتح المجال للتهرب عن دفع الضرائب وتبييض الأموال. ومن جهته، أكد الناطق الرسمي باسم الاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين، الحاج الطاهر بولنوار، على مجموعة من النقاط الضرورية لتحسين القدرة الشرائية للمواطنين، وشدد على ربط سياسة الأجور بمعدل النمو الاقتصادي بدلا من توزيع الريع، وبالتالي زيادة الإنتاج وتقليص الاستيراد، وذكر في هذا الشأن ضرورة القضاء على التضخم ورفع قيمة الدينار، بالإضافة إلى تأهيل شبكة التوزيع والتخزين أمام ممارسات المضاربة.