من الواضح أن نتائج الانتخابات التشريعية في تونس وما تمخضت عنه من تغير نسبي في موازين القوى والحضور السياسي التمثيلي في البرلمان، مع حصول حزب “نداء تونس” لقايد السبسي على الأغلبية، ستساهم في إحداث تغيرات في توجهات الحكومة التونسية الجديدة على المستوى الداخلي رفعا للتحديات التي تواجهها تونس، إلا أنه من المستبعد أن تحدث تغيرات جذرية على سياسات تونس الخارجية مع أقرب حلفائها، وعلى رأسها الجزائر، وإن كانت لمسة قايد السبسي وحلفائه ستتضح في عدد من الملفات الحساسة مثل سوريا وليبيا. تبقى تونس مما يعرف ب«الدول الفاصلة أو العازلة”، أي من البلدان التي تقع في نطاق جغرافي وسياسي خاص، تتوسط دول مفتاحية قوية، منها الجزائر ومصر، كما أنها تخضع لتأثيرات لما تشهده المنطقة من تفاعلات على المستوى الأمني والسياسي، مع استفحال ظاهرة الجماعات الإسلامية المسلحة، يضاف إليها الرهان الاقتصادي والأزمة التي مست أغلب بلدان المنطقة، وبالتالي فإن أي حكومة ستتشكل في تونس، سواء على أساس أغلبية من “نداء تونس” أو ائتلاف سياسي، فإنه سيراعي عددا من العوامل الأساسية التي أثرت على مسار المشهد السياسي الداخلي في تونس، وعكست التغيرات المسجلة في الانتخابات التشريعية، وإن كانت هذه النتائج ليست بالحاسمة أو القطعية، لأنها وإن ساهمت في تراجع التيار الإسلامي، ممثلا في “النهضة”، إلا أن هذه الأخيرة تبقى رقما فاعلا وثاني قوة سياسية، وقد تكون هذه النتائج انعكاسا لتراجع “تكتيكي” لمواجهة ظرف غير مناسب لحصد التيار لأغلبية قد تنتج عنها مضاعفات وضغوط لا يمكن مقاومتها ورهانات يتعذر رفعها في الوقت الراهن. وتأتي خرجة زعماء النهضة بالإقرار بانتصار نداء تونس كمؤشر عن رغبة التنظيم إعطاء الانطباع بالقبول بقواعد اللعبة السياسية، علما بأن النهضة المرتبط بتنظيم الإخوان المسلمين عانى ضغوطا كبيرة نتيجة تفاعلات الأزمة في مصر وليبيا، وحتى في دول مثل تونس وتفرعاتها المتصلة بشبكة التحالفات القائمة مع دول خليجية. وعليه، فإن نتائج الانتخابات لن تحدث قطيعة كبيرة، لاسيما وأن الانطباع السائد هو أن الناخب أو جزءا منه على الأقل سعى إلى ضمان بدائل غير تلك التي شكلت الائتلاف الحكومي السابق والبحث عن سبيل لضمان استقرار أكبر على المستويين السياسي والاقتصادي، كون حصيلة الائتلاف كانت متواضعة، حيث لم يكن أداء الشخصيات المفتاحية منصف المرزوڤي على الرغم من رمزيته وراشد الغنوشي ومهدي جمعة ومصطفى بن جعفر مقنعا في نظر شريحة كبيرة من التونسيين. ومع ذلك، فإن الانطباع السائد هو أن التغيير لم يكن جذريا بدليل اختيار التيار المعارض الذي تضمن مزيجا من شخصيات كانت محسوبة على نظام الرئيس السابق بن علي، وأخرى على المعارضة. فيما يبقى التيار الاسلامي ممثلا في النهضة حاضرا بقرابة ربع التمثيل في البرلمان الجديد. أما ثاني المؤشرات، فإنها سترتبط بالعامل الخارجي، أي توجهات السياسة التي ستتخذها حكومة قايد السبسي أو الائتلاف المشكل من قوى مقربة من الحزب الذي كان يوضع في صف المعارضة، فهذه الحكومة لن تخرج عن القاعدة العامة التي تعتمدها تونس منذ سنوات هو ضمان علاقات حسنة وغير متشنجة مع جيرانها بداية بالجارة الرئيسية الجزائر، ويدرك قايد السبسي السياسي المخضرم الذي عايش فترة الرئيس بورڤيبة ثم بن علي ثم مرحلة ثورة الياسمين، مدى أهمية الدور الجزائري في ظل الوضع الحالي، سواء على المستوى الاقتصادي من خلال الاتفاق المبرم حول منطقة التبادل الحر وأنبوب الغاز المار عبر تونس باتجاه ايطاليا “ترانسماد”، أو على مستوى التنسيق الأمني لمواجهة التنظيمات المسلحة المنتشرة بجبل الشعانبي، وتعكس الزيارات المتتالية لقايد السبسي إلى الجزائر سنتي 2013 و2014، ولقاءاته بالرئيس بوتفليقة والوزير الأول عبد المالك سلال، فضلا عن لقاءاته بسفير الجزائربتونس عبد القادر حجار استبعاد إحداث تغيير جذري في سياسات تونس، التي تحتاج إلى سند استراتيجي في مواجهة رهاناتها، لاسيما وأن نتائج الانتخابات تضع الحكومة الجديدة على المحك، لكونها ائتلافية وهشة أيضا وتخضع لمنطق التوازنات السياسية.