{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ}. قال العلامة ابن عاشور: الآية دالة على أنّ الصّدقة تطهّر وتزكّي. والتّزكية: جعل الشّيء زكيًا، أي كثير الخيرات. قوله: {تُطَهِّرُهُم} إشارة إلى مقام التّخلية عن السّيِّئات. وقوله: {تُزَكِّيهِم} إشارة إلى مقام التّحلية بالفضائل والحسنات. ولا جرم أنّ التّخلية مقدمة على التّحلية. فالمعنى أنّ هذه الصّدقة كفّارة لذنوبهم ومجلبة للثّواب العظيم. والصّلاة عليهم: الدّعاء لهم.. وقد كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بعد نزول هذه الآية إذا جاءه أحد بصدقته يقول: اللّهمّ صلّ على آل فلان.. وجملة: {إنَّ صَلَاتك سَكَنٌ لَهُمْ} تعليل للأمر بالصّلاة عليهم بأنّ دعاءه سكن لهم، أي سبب سكن لهم، أي خير.. والسّكن: بفتحتين ما يسكن إليه، أي يطمأن إليه ويرتاح به. وهو مشتق من سكون النّفس، أي سلامتها من الخوف ونحوه؛ لأنّ الخوف يوجب كثرة الحذر واضطراب الرّأي فتكون النّفس كأنّها غير مستقرّة، ولذلك سمّي ذلك قلقًا؛ لأنّ القلق كثرة التحرّك، هذا المعنى العام للآية. والظّاهر أنّ الزّكاة نقص، ولكنّها في حقيقة الأمر زيادة ونماء. ارتقاءً في مراتب الكمال؛ زيادةُ طهارة، وزيادة تزكية، وزيادة بركة، وزيادة مال، وزيادة في النّفس، وزيادة في المجتمع؛ فالزّكاة غنيمة تنال لا غرامة تحمل. وهذا هو الفارق بين فريضة تؤدّى ابتغاء رضوان الله، وضريبة تدفع لأنّ القانون يفرضها ويعاقب عليها! ونحن نعلم أنّ الله سبحانه وتعالى هو صاحب المال، والمالك الحقيقي له، وإنّما أضيف في الآية لمالكه من النّاس تطمينًا له على ملكيته له، وزيادة في التّطمين قال: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} دلالة على أنّ القدر المأخوذ بعض تلك الأموال لا كلّها؛ لأنّ {مِنْ} للتّبعيض. حتّى يزكّي مَن يزكّي طيبة نفسه بالقدر اليسير المخرج على يديه، ساكنة نفسه بالقدر الكبير الباقي لديه! يقول الإمام الرّازي في هذا المعنى: [إنّ الفقراء عيال الله، والأغنياء خزان الله؛ لأنّ الأموال الّتي في أيديهم أموال الله، فليس بمستبعد أن يقول المالك لخازنه: اصرف مبلغًا ممّا في تلك الخزانة إلى المحتاجين من عيالي]. ويقول الإمام ابن العربي المالكي: [إنّ الله بحكمته البالغة، وأحكامه الماضية العالية، خصّ بعض الناس بالأموال دون البعض، نعمة منه عليهم، وجعل شكر ذلك منهم إخراج سهم يؤدونه إلى مَن لا مال له، نيابة عنه سبحانه وتعالى فيما ضمنه بفضله لهم في قوله: {وَمَا مِنْ دَابَةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُهَا}]. ولو لم يكن من بركة الزّكاة وتطهيرها وتزكيتها إلاّ تطهير النّفوس من خبث الشُّحّ ودنس البُخل لكفى، كيف وحكمها الباهرة ومقاصدها العظيمة لا تحصى ولا تستقصى! فالفلاح كلّه في الشّفاء من داء الشُّحّ ومرض البخل، ولا يخفى أنّ الشّفاء منه كفيل بشفاء الكثير من أمراضنا الاجتماعية وانحرافاتنا الحياتية. {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، وفي الحديث: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ”وَإِيَّاكُمْ وَالشّحّ؛ فَإِنَّهُ دَعَا مَنْ قَبْلَكُمْ فَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ، وَسَفَكُوا دِمَاءَهُمْ، وَقَطَّعُوا أَرْحَامَهُمْ” رواه أحمد وابن حِبّان. وإيتاء الزّكاة أوّل خطوة للشّفاء من هذه الخبائث، كما هي من أعظم خطوات تطهير الأفراد والمجتمعات صعودًا بهم في مراقي الزّيادة والنّمو والتّنمية! إمام وأستاذ الشّريعة بالمدرسة العليا للأساتذة