في كل مرة نتحدث عن السرطان وخاصة معاناة المرأة من سرطان الثدي، نركز في مقالاتنا الصحفية على الأرقام فقط.. لأن الأرقام هي الأهم بلغة الإعلام والسبق الصحفي رغم أنها جافة ولا تعكس آلام ومعاناة هؤلاء النسوة، نسوة ابتلين بداء خبيث نخر أجسادهن من جهة وحطّم حياتهن من جهة أخرى، بعد تخلي أزواجهن عنهن بسبب عضو تم بتره، اختصر فيه ذلك الزوج عشرة سنوات. التقينا بعضا منهن فبحن لنا بآلام معاناة وحدهن من أحس بوقعها، على حد تعبير إحداهن “ما يحس بالجمرة غير اللي كواتو..”. “نسيمة” امرأة في الثلاثينيات من العمر، جمالها كان باديا للعيان رغم ما مرت به من علاج ثقيل غيّر سحنتها إثر إصابتها بالداء الخبيث، لقّبها أطباءها بمصلحة أمراض السرطان بمستشفى البليدة بالمرأة الحديدية التي كافحت ضد أحد أفتك أنواع سرطان الجهاز الهضمي لوحدها، وهي التي تلقت ورقة طلاقها من زوج متخاذل، تخلى عنها يوما فقط قبل عملية جراحية معقدة خضعت لها تم خلالها استئصال أهم أعضاء جهازها الهضمي، عوض أن يهتم بصغيريه اللذين كانا في أمس الحاجة له حينما كانت أمهما ترقد على فراش مصلحة الإنعاش بين الحياة والموت.. حدثتنا “نسيمة” عن حياتها التي انقلبت رأسا على عقب حينما وجدت نفسها تصارع داء خبيثا ابتليت به بعد حياة استقرار عاشتها رفقة ابنيها وزوج كانت تظن أنه سندها في الحياة، لكنه تخلى عنها ورحل عن البيت حين علم بإصابتها، لتتفاجأ وهي تتهيأ لعمليتها الجراحية بورقة طلاق وصلتها يوما قبل دخولها قاعة العمليات، وعوض أن تبكي حظها التعس مثلها مثل أي امرأة مغلوبة على أمرها، تزودت بإيمان قوي دخلت به غرفة الجراحة وخرجت منها متفوقة على دائها، كما جابهت علاجات كيميائية وإشعاعية ثقيلة، ورافقت صغيريها اللذين كانا في أمسّ الحاجة لها بعد تخلي الوالد عنهما، فكانت تشرف على متابعة دراستهما ولم يكن ذلك بالأمر الهيّن، حيث كانت تتزامن فترات امتحانات ابنيها مع حصص علاجها الكيميائي، فكانت تراجع لابنتها التي تدرس بالمرحلة المتوسطة تارة، وتنزوي بالحمام تارة أخرى عندما يحضرها القيء من تأثير علاجها الكيميائي.. ولم تكن تملك خيارا آخر.. بل كان عليها أن تستمر في الحياة رغم أنها خضعت مرة ثانية لعملية جراحية ثقيلة استأصل فيها جهازها الهضمي عن آخره، عملية توفي بسببها عدد ممن كانوا معها بمصلحة أمراض السرطان بمستشفى البليدة، وخرجت منها معافاة رغم أن حياتها باتت متوقفة على نمط غذائي واحد لا خيار لها عنه.. ليطلق عليها أطباء القسم لقب “المرأة الحديدية” التي تصدت لأحد أشرس أنواع سرطان الجهاز الهضمي وقاومته وتغلبت عليه، تماما مثلما قاومت مخلفات وضع اجتماعي مزرٍ وتنكر زوجها اللذين اجتمعا ليصنعا منها امرأة محطمة استطاعت بفضل الله أن تقف من جديد. توفيت وهي تجهل أنها طلقت لحظة احتضارها شاءت الأقدار أن تصاب “نادية” بسرطان الثدي الذي تم الكشف عنه عندها في مرحلة متقدمة.. ورغم ذلك حرص أخوها وزوجته على مرافقتها لتستفيد من مختلف مراحل العلاج بمركز بيار وماري كوري في الجزائر العاصمة، في الوقت الذي تخلى زوجها عن مسؤولياته متذرعا بضغوط العمل من جهة وانشغاله بتربية أبنائه الثلاثة من جهة أخرى، فخضعت المسكينة لعلاجها الكيميائي مدة أشهر لم يزرها خلالها ذاك الزوج، حيث فضلت أن تتابع علاجها وهي وسط عائلتها التي تكفلت بها، في الوقت الذي بقي الصغار مع أبيهم مع زيارة والدتهم نهاية كل أسبوع، ليلحقهم والدهم بعد فترة ببيت الجد متحجّجا بأنهم لم يصبروا على فراق والدتهم وتنقطع أخباره، حيث شهدت زوجة أخيها التي رافقتها طيلة فترة علاجها وتكفّلت بالصغار بأنها تأثرت كثيرا بسبب إهمال زوجها لها “كنا نتعمّد أن نكذب عليها ونخبرها بأنه اتصل مرات على هاتف البيت ليسأل عنها، وأخبرناه بأنها لا تستطيع الحديث معه بسبب مضاعفات علاجها الكيميائي”، فكانت تسكت وهي متيقنة في قرار نفسها بأنه لم يتصل.. وساءت أحوالها وهي في آخر علاجها الكيميائي، تضيف زوجة الأخ قائلة، ليدخلها الفريق الطبي الذي تابع حالتها المستشفى.. وفي تلك الأيام، تلقت أسرة “نادية” بلاغا من المحكمة يشير إلى شروع الزوج في إتمام إجراءات الطلاق “لتصلها ورقة الطلاق وهي على فراش الاحتضار”، تقول زوجة الأخ، مضيفة “أخفينا الخبر عن الصغار وفضلنا أن تنتقل “نادية” إلى خالقها وهي مطمئنة لأنه ليس أبشع من أن تبلّغ بخبر مماثل وهي على فراش الموت..”. أصيبت بالسرطان فمنعوها من دخول المنزل خوفا من العدوى! لم تكن السيدة “نعيمة.ب”، 32 سنة، تعلم أنها لن تعود لبيت الزوجية بعد دخولها المستشفى الجامعي في قسنطينة أو بالأحرى بعد تلقيها نبأ إصابتها بسرطان الثدي واستئصال أحدهما، حيث أصبحت مصدر عدوى بوباء في نظر محيطها الضيق، الذي تملص منها وكأنها سترة بالية يجب التخلص منها. تفاجأت نعيمة، وهي تنزل من سيارة الأجرة بقوى خائرة، بثيابها وبعض حاجياتها الخاصة مرمية أمام باب منزلها، وتفاجأت أكثر بحماتها وهي تطلب منها أن تترك يد زوجها الذي كانت تتكئ عليه، خوفا من أن يصاب بالعدوى ومنعتها من دخول المنزل رغم أنها خرجت للتو من المستشفى بعد استئصال أحد ثدييها. المسكينة كانت تبكي بمرارة وهي تقول “أنا يتيمة وليس لي أحد إلا والدتي المقعدة، وقد زادوني يتما لما حرموني من أبنائي الثلاثة، ورموا بي خارجا كأنني كلب موبوء”، والأدهى من هذا تقول نعيمة “زوجي لم يحرك ساكنا وانصاع لوالدته، وهو سيتزوج قريبا بعد أن يصدر حكم طلاقنا خلال أيام”. نعيمة أدركت بعد أن عاشت لأيام في المستشفى مع مثيلاتها من المريضات، أن الجهل هو من يحطم حياة الأفراد، فقد قالت وبحسرة “حياتي التي عشتها مع أشخاص من منطقة نائية ذهبت هباء، فجهلهم بالمرض وتبعاته جعلهم يسلبونني حقي في الحياة، رغم أن كثيرات مثلي كن متمسكات بالحياة لا لشيء سوى أن أفراد عائلاتهن كانوا جميعا معهن ابتداء من الزوج الذي يعد سند المرأة في هذه الحياة، لكن زوجي وبسبب جهله وجهل محيطه تخلص مني بسهولة، ربما لأنهم أغروه بأخرى ورأى أنني لم أعد أنثى بعد فقداني لثديي”. وتضيف نعيمة بعد زفرة طويلة “إيه.. لم أعد أقوى حتى على الكلام، ففي المحكمة لما رأت القاضية وضعي الصحي ووجهي دون حواجب وآثار الإرهاق من العلاج الكيميائي بادية عليه، صرخت في وجه زوجي وعنفته ووصفته بالحيوان، وأجلت النطق بالحكم لأنها أحست بوجعي، رغم أن نظرات من يقولون عنه شريك حياتي كانت كلها ازدراء”. قسنطينة: م.صوفيا الأمينة العامة لجمعية “الأمل” لمساعدة مرضى السرطان ل”الخبر” “نطالب بقانون يمنع تطليق المريضة خلال علاجها” في حديثها عن تعرض نسبة من مريضات السرطان للطلاق، أوضحت السيدة حميدة كتاب، الأمينة العامة لجمعية “الأمل” لمساعدة مرضى السرطان، بأنهم وقفوا على حالات طلاق لنسوة لم يكن لديهن حتى ثمن توكيل محامٍ في قضايا طلاق رفعها ضدهن أزواجهن، مطالبة بتطبيق مشروع القانون الذي يمنع تطليق مريضات السرطان خلال فترة علاجهن. هل سبق للجمعية أن استقبلت حالات نساء تعرضن للطلاق بسبب إصابتهن بداء السرطان؟ رغم أن عددهن ليس كبيرا والحمد لله، وهو ما نردده دوما، نستقبل بمقر الجمعية دوريا حالات نسوة طلقن أو بصدد التطليق بسبب إصابتهن بالداء وعادة ما يكون سرطان الثدي، وتحضرني حالة المريضة التي قدمت من ولاية تيزي وزو، وكانت تابع علاجها الكيميائي بمركز بيار وماري كوري، لتقصد مقر الجمعية فور الانتهاء منه، حتى ننقلها للمحكمة للوقوف في قضية طلاق رفعها ضدها زوجها بعدما أصيبت بسرطان الثدي. كيف تتعاملون مع هذه الحالات وهل عمدتم من خلالها إلى تحسيس الأزواج ؟ طبعا، تسعى جمعيتنا إلى التكفل بهؤلاء النسوة وغيرهن من المصابات بالسرطان، فنرافقهن في علاجهن ونساعدهن في أمورهن الاجتماعية، وكثيرا ما تكون الحالات لنسوة معدمات لا دخل لهن، فتقوم الجمعية بتوكيل محام يرافع عنهن في قضية الطلاق التي رفعها الزوج. وفي هذا المجال أود أن أشير إلى تولي المحامية بن براهم التي تتعامل مع الجمعية، قضايا هؤلاء النسوة والدفاع عنهن بالمجّان. أما عن التحسيس، فقد لاحظنا من خلال قافلة الأمل التي جابت 32 ولاية للتحسيس حول سرطان الثدي، أن أسئلة النسوة في المناطق الداخلية تدور حول كيفية مواجهة الزوج والعائلة في حال اكتشاف الإصابة بالسرطان، وعليه قررنا ضم إمام إلى فريق القافلة المكون من أطباء ونفسانيين ليتولى تحسيس الرجال بالوقوف إلى جانب زوجاتهم في حال الإصابة بالسرطان، خاصة أننا سجلنا حضورا رجاليا مكثّفا خلال تلك الحملات. وفيما تمثل الدور التحسيسي للأطباء الذين يرافقونكم في قافلة “الأمل”؟ ركزوا بصفة خاصة على مرحلة ما بعد السرطان، لأن الوقاية منه متداولة، ليؤكدوا لأهالي المريضة وخاصة الزوج بأنه بعد التخلص من الورم الخبيث ومتابعة العلاج بمراحله، يمكن للمريضة أن تستأنف حياة عادية مثلها مثل غيرها من النساء.. تتزوج وتنجب وتمارس حياتها الجنسية بصفة عادية، وهنا أفتح قوسا لأشير إلى أن نقص المعلومات حول سرطان الثدي جعل الكثيرين يظنوا أن الحياة تتوقف عند الإصابة به، بل إن من الرجال من عاود الزواج ظانا بأن العلاج الثقيل الذي تخضع له زوجته المصابة سيلازمها مدى الحياة، كما أن أول سؤال طرحه الرجال الذين تم استدعاؤهم من قبل الأطباء لإعلامهم بإصابة زوجاتهم، تمثل في مستقبل علاقاتهم الجنسية معهن دون أي اهتمام بصحتهن. وماذا عن مشروع القانون الذي بادرتم به في هذا المجال؟ يتعلق الأمر بمشروع قانون نود أن تتم المصادقة عليه، ويتمثل في المطالبة بعدم تطليق الزوجة المصابة بالسرطان أثناء فترة علاجها وذلك من باب الإنسانية. فعلاوة على نفسيتها المدمّرة بسبب إصابتها، يزيد الطلاق من تدهور حالتها النفسية، ما قد يؤثر على مسار العلاج، ناهيك عن حرمانها من التغطية الصحية إذا ما تعلق الأمر بامرأة غير عاملة تابعة لزوجها فيما تعلق بالضمان الاجتماعي، وهو ما من شأنه أن يتسبب في توقيف علاجها الهرموني المكلّف الذي يستمر 5 سنوات بعد بتر الثدي (مريضة سرطان الثدي)، ما يعرض حالتها للانتكاس، وبالتالي نطالب بعدم تطليقها وإن حدث وطلّقت فعلى الأقل لا يتم حرمانها من التغطية الصحية. الجزائر: حاورتها ص.بورويلة النفساني محمد سيفور ل”الخبر” معاناة المرأة من السرطان وإهمال الزوج يولد أفكارا انتحارية يقول الدكتور محمد سيفور، اختصاصي الطب النفسي بمركز بيار وماري كوري في العاصمة، إنه علاوة على انهيارهن النفسي جراء إصابتهن بداء السرطان، تتعرض بعض النسوة لتطليق أزواجهن لهن، وهو ما قد يزيد من تدهور حالتهن النفسية، ما قد يبعث بهن للانتحار. وأضاف أن “إصابة المرأة بالسرطان هي معاناة تؤدي إلى رفض الذات، وأن وجود خلل في الصورة الجسدية للمرأة والناتج عن عملية استئصال ثدي أو رحم، من شأنه أن يؤدي إلى احتقار المرأة لذاتها، ما يصيبها باكتئاب كبير ويؤثر على حياتها، خاصة بالنسبة للمصابة بسرطان الثدي وهو عضو معبّر عن أنوثة المرأة ويدخل في صورتها الجسدية والجمالية، وبإزالة هذا العضو تنهار تلك الصور الجمالية لتنهار معها نفسية المريضة”. وأوضح سيفور بأنه إضافة إلى هذه العوامل النفسية، يعتبر عدم تقبل الزوج لإصابة زوجته في كثير من الحالات وتعمّده تطليقها خلال فترة العلاج، سببا قويا في التأثير السلبي على نفسيتها ويعرضها لأفكار انتحارية. الجزائر: ص.ب