تراجعت أمس، أسعار النفط مجددا بعد افتتاح الأسواق منحدرة إلى ما دون 70 دولارا للبرميل وتتسم الأسواق بعدم الاستقرار والهشاشة، في ظل توقعات ببقائها لفترة في منحى تنازلي وفي مستوى يضرّ بأغلب البلدان المصدرة للنفط، باستثناء أكبرهم مثل العربية السعودية. وبلغ سعر برنت بحر الشمال لتسليمات شهر جانفي 2015، ما بين 69.7 و69.9 دولار للبرميل وهو أدنى مستوى له منذ أربع سنوات، مما يكشف عن الوضعية المعقدة التي تتسم بها سوق النفط حاليا، حيث تبقى عدة عوامل تؤثر سلبا على مستويات الأسعار رغم توفر عوامل دفع، منها العوامل الجيوسياسية وموسم البرد الذي بدأ بالخصوص في النصف الثاني من الكرة الأرضية والذي يساهم في زيادة الاستهلاك، لا سيما لوقود التدفئة، ومع ذلك، فإن أسعار البترول التي استفادت من أوضاع أخرى على رأسها وفرة العرض وانكماش الطلب في القطاعات الصناعية في الدول الصاعدة والغنية، تعرف تقلبات حادة، مما يؤثر سلبا على العديد من البلدان بداية بمعظم دول “أوبك”. وإذا كانت الجزائر استطاعت إنقاذ سنة 2014 بمعدل يقترب من 103 دولار للبرميل، إلا أن سنة 2015 ستكون صعبة على عدة أصعدة، خاصة وأن التوقعات تشير إلى استمرار تقلبات الأسعار خلال السداسي الأول من السنة المقبلة، وهو ما سيؤثر على التوازنات المالية للدول المصدّرة مثل الجزائر وإيران وفنزويلا ونيجيريا وأنغولا، وهي دول تحتاج إلى معدلات أسعار ما بين 90 و110 دولار للبرميل لتحقيق توازن إيجابي في الميزانية وتفادي تسجيل عجز يدفعها إلى اقتطاع جزء من مدخّراتها واحتياطاتها المالية أو الاستدانة مجددا. وتتأثر هذه البلدان بصورة مزدوجة، حيث أنها بالنسبة للجزائر وإيران أيضا بلدان مصدّرة للغاز، وعرفت أسعار الغاز أيضا انكماشا، على خلفية التطور المسجل في السوق الأمريكي لإنتاج الغاز الصخري وتراجع الاستهلاك في دول الاتحاد الأوروبي، مما يضع هذه البلدان أمام تحد مزدوج، فالجزائر التي كانت تتعامل بصورة شبه كاملة بالعقود المتوسطة والطويلة بمعدلات أسعار تتراوح ما بين 8و12 دولار لكل مليون وحدة حرارية، تجد منافسة شديدة مع دخول فاعلين جدد، على غرار قطر التي تعتبر من أكبر المصدّرين للغاز الطبيعي المميّع، فضلا عن المشاريع الروسية العملاقة “ساوثستريم” و”نورثستريم” والتي تمثّل بحوالي 120 مليار متر مكعب ضعف ما تصدره الجزائر، وتعمد روسياوقطر اللجوء إلى الأسواق الحرة “سبوت”، مع ما يترتب عليه من انخفاض في مستويات الأسعار للغاز، حيث يتم تسويقه ما بين 4و5 دولار لكل مليون وحدة حرارية. وتجد الجزائر نفسها أمام تحديات متعددة، فمن جهة تسجل أسعار النفط والغاز أيضا تراجعا، ومن جهة أخرى تراجع في مستويات الإنتاج النفطي وصادرات الغاز التي تقدّر بحوالي 55 مليار متر مكعب، وهو ما يعني أن سنة 2015 ستكون بلا شك صعبة من ناحية الإيرادات، خاصة إذا اعتمدنا على تصريح مسؤولي سوناطراك التي تفيد بأن إيرادات المجمّع ستقدّر ب 60 مليار دولار هذه السنة، أي أننا سنشهد عجزا في ميزان المدفوعات، يضاف إليها العجز في الميزانية والخزينة.