فمِن فضل الله عزّ وجلّ على هذه الأمّة أن اختصّ عبده ورسوله محمّدًا صلّى الله عليه وسلّم دون غيره من الأنبياء بخصائص كثيرة، تشريفًا وتكريمًا له، ممّا يدلّ على جليل قدره وشرف منزلته عند ربّه، فجعله أفضل الرّسل والأنبياء وخاتمهم، وخير خلق الله أجمعين، قال الله سبحانه وتعالى: {اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} الحجّ:75، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”أنا سيِّد ولدِ آدمَ يوم القيامة، وأوّل مَن يَنشق عنه القبر، وأوّل شافعٍ، وأوّل مشفَّع” رواه البخاري. جاء سيّدنا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ليُتمِّم مكارم الأخلاق، فيُهذّبها ويوجّهها، يهذّبها ممّا يعتريها من نزق النّفوس، ومن ترسّبات العادات والتّقاليد، ويطهّرها ممّا يعلّق بها من الأهواء فتَستقيم على نهج، إذ كلّ فضيلة بين رذيلتين، فالكرم وسط بين إسراف وبخل، وهكذا بقيّة الصّفات. لقد نشأ النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم مُتحلّيًا بكلّ خُلُق كريم، مبتعدًا عن كلّ وصف ذميم، فكلّ خُلُق محمود يليق بالإنسان فله صلّى الله عليه وسلّم منه القسط الأكبر، والحظّ الأوفر، وكلّ وصف مذموم فهو أسلم النّاس منه، وأبعدهم عنه، شهد له بذلك العدوّ والصّديق. وجعل الله عزّ وجلّ حُبَّه صلّى الله عليه وآله وسلّم دِينًا نُدين الله به، ونتقرَّب به إليه، ولن يبلغ أحد محبّة الله عزّ وجلّ إلّا باتّباعه عليه الصّلاة والسّلام، قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} آل عمران: من الآية31، ولا تفتح الجنّة لأحد قبله حتّى يدخلها، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ”آتِي باب الجنّة فأسْتَفْتِح، فيقول الخازنُ: مَن أنت؟، فأقول: محمّد، فيقول: بك أُمرتُ ألّا أفتح لأحد قبلك” رواه مسلم. وقد أمر الله عزّ وجلّ بالصّلاة عليه، بل وصلّى هو سبحانه وتعالى عليه، فقال تعالى: {إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} الأحزاب:56. لقد رَفْع الله عزّ وجلّ ذِكْرِ نبيّه صلّى الله عليه وسلّم في الدّنيا والآخرة، قال الله تعالى: {وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ} الشّرح:4، قال العلاّمة ابن كثير: [قال مجاهد: لا أُذكر إلّا ذكِرْتَ معي، أشهد ألا إله إلّا الله، وأشهد أنّ محمّدًا رسول الله]. ويُصوِّر سيّدنا خُبيب بن عدي رضي الله عنه مدى حُبّ الصّحابة رضوان الله عليهم للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عندما صلبوه وقالوا له: أتتمنّى أن يكون محمّد في مكانك وأنتَ آمن في بيتك؟: قال: ”والله! لا أتمنّى أن يُشاك رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- شوكة واحدة وأنا آمن في بيتي”. والعجيب هو ثناء الأعداء والمخالفين، فلم يشهد بصِدق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وحُسن أخلاقه المؤمنون به فقط، بل شهد له الكثير من المنصفين من أعدائه الّذين لم يؤمنوا به، فعندما اطّلعوا على سيرته عليه الصّلاة والسّلام لم يَملِكوا إلّا الاعتراف له بالفضل وحُسن الخُلُق والسّيادة.