مصر بحاجة إلى حرب على المفسدين أكثر منها على الإرهابيين تحدث الدكتور عامر التوني الباحث المصري بالمركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية بجمهورية مصر العربية، ومدير مركز الإبداع الفني بالمعز في القاهرة، عن دور الفنان في إخراج تراث بيئته المحلية إلى العالمية، وأبرز في حوار مع ”الخبر” على هامش المهرجان الدولي للإنشاد في قسنطينة، دور الحكام في إنتاج شخص مثقف بعيدا عن الفساد، معرجا في الأخير إلى أساس بناء علاقة حميمة بين الناقد الفني والعمل الإبداعي. نرى أن التراث العربي يتعرض للتهميش، كيف يمكن رد الاعتبار له في غياب تواصل عربي في هذا المجال؟ لا ننكر أننا أنتجنا ثقافة عربية موجودة على أرض الواقع، بمزج الثقافات المحلية لكل بيئة وإضافة عنصر ثالث فيها هو الدين، ولم نجد صعوبة في تعميمها عربيا لأن موسيقانا تقرأ في أي دولة عربية. لكن دورنا حاليا هو إخراج التراث الخاص الذي تتميز به كل منطقة عربية، ثم نقوم بتنميته وتحويله إلى منتج عالمي، فمثلا ”الراي” الجزائري الذي خرج من البيئة المحلية أصبح لا يسمع فقط في القاهرة، بل يطرب، وأصبحت النوتات الرايوية موسيقى عالمية على غرار الصالصا، وأضيف، بدلا أن نمزج المالوف مثلا في قسنطينة بالجاز، نقوم بمزجه بألوان عربية أخرى، ونبتعد عن هذه التجارب الغربية، وندخل بإيقاعات جديدة في وطننا العربي. وقد قمنا بوضع تجربة أولى مع فرقة العيساوة في حفل اختتام مهرجان الإنشاد الدولي بقسنطينة، حيث استعملنا البعض من دفوفهم، واستعملنا تجارب مثيلة في الهند ولم نستخدمها عربيا. هل أزمة فهم أصول التراث العربي كانت بفعل تحريفها من قبل القوى الاستعمارية؟ على المستوى الشخصي لا تهمني أصول الفنون، لأن الفكر والثقافة ذوا طابع إنساني، المهم أنها تتناسب مع محيطي وتقدم لي إضافة جديدة. إذا رجعنا إلى أصول المالوف في قسنطينةوالجزائروتونس، فقد خرج من الموسيقى الأندلسية التي كانت في إسبانيا، وقد أصبحت تراثا خاصا بنا. المنطقة العربية مختلفة عن مناطق أخرى، لأنها تتوسط العالم وشهدت توافد حضارات كثيرة عليها وأخذت من ثقافاتها وحولتها إلى بضاعة محلية. المهم يجب النهوض بتراثنا من جديد، من خلال مهرجانات على غرار ما يحدث في الجزائر، وكل فرقة تمثل بلدها تظهر فنها، بعيدا عما قيل عنها خلال الحقب الاستعمارية، وسنرى مساحة واسعة تضم أنواع كثيرة من الفنون التي تبرز هويتنا. من يتحمل مشاكل الحياة الثقافية في الدول العربية: الشعوب أم الحكام؟ مشكلة العرب في الحكام وليس في الشعب، والحكام أخطؤوا في الإصلاح من خلال القوانين، وأنتجوا شعوبا فقيرة ومتناحرة ومختلفة فكريا رغم ارتباطها بالثقافة الإسلامية، إضافة إلى الضغوط الأمريكية وبعض الدول على حكامها، والتي أدت إلى تفكك المجتمع العربي، مثلا نحن المصريين اختلفنا مع الجزائر على مباراة كرة قدم، وصلنا إلى شعوب تتناحر على أشياء تافهة. الهم الثقافي موجود، والحكام غير مهتمين بالتعليم، المثقف والتعليم مهمشان، الأنظمة العربية أصبحت تنتج الفقراء بدلا من العلماء، يجب إعادة النظر في ثقافتنا العربية الإسلامية، وأن نبتعد عن إراقة الدماء والتناحر فيما بيننا. هل أثر مصطلح الإرهاب على مصر؟ نعيش حاليا في مصر حالة من الترقب، لأنه إذا كانت القيادة حقيقة تريد الإصلاح، فلا بد من تطهير الجهاز الإداري، لأن هناك عددا كبيرا من المفسدين المنتشرين، ولم يتم اقتلاعهم بعد من داخل المجتمع، خاصة أن مصر جريحة بسبب الثورات والمظاهرات العديدة والكثيرة مع موارد بسيطة. والآن لا يوجد إرهابيون في مصر بقدر وجود الفاسدين، القيادة بحاجة إلى حرب على المفسدين أكثر من الإرهابيين وهي الحرب التي نريدها. كيف تكون العلاقة حميمة بين النقد والعمل الإبداعي؟ هناك فرق بين النقد الموضوعي والنقد الذاتي، هذا الأخير يكون وفق تطلعات الشخص للعمل الفني مع ما يراه، أما الموضوعي فهو نسيان الذات واستحضار الأطر والنظريات التي يحلل من خلالها العمل الفني، ولا أخفي أن الحالة العامة للنقد الفني هي في أغلب الحالات نقذ ذاتي وليس موضوعيا، وغالبية النقاد يحللون وفق رغبتهم الذاتية ونظرتهم الشخصية في تفسير العمل الفني، خاصة أن مفهوم النقد أصبح مرتبطا بالهجوم على العمل وإظهار مساوئه، رغم أن العرف يجعل الناقد يقول أيضا إن هذا العمل جيد. كما أنبه إلى شيء آخر هو الفرق بين التحليل النقدي للجرائد وتحليل النقد العلمي. باعتبارك باحث موسيقى، هل اطلعت على التراث الجزائري؟ اطلعت على الطريقة العيساوية في الجزائر والشاذلية في تونس وموسيقى لڤناوة في المغرب والرفاعية في العراق، وأرى أن الثقافة العربية إنسانية لا تحدها حدود، إذ إن كل هذه الطرق التي نشأت في الدول العربية هي إرث فني يحتاج إلى دراسة وبحث، وإلى توثيق وعناية من الباحثين في المشرق والمغرب على حد سواء.