قدر دكتور الاقتصاد محجوب بدة حجم السوق الموازية للعملة بحوالي ملياري دولار، مشيرا إلى أن السوق تبقى بديلا في الجزائر في ظل غياب منظومة مالية متطورة، وعدم قابلية تحويل الدينار، وغياب الليونة في سياسات الصرف المعتمدة. وأشار بدة في تصريح ل”الخبر” إلى أن السوق الموازي يضمن البديل في غياب سياسات صرف تتكيف مع التطورات، وفي غياب نظام مالي ومصرفي متطور ومراقبة صرف لم يطرأ عليها تغييرات جوهرية وفعالة. وأوضح المتحدث أن تقلبات الدينار حاليا ليست بالضرورة تخفيضا لقيمته على غرار العمليات التي تمت في التسعينات على خلفية سياسات التصحيح الهيكلي مع صندوق النقد الدولي، وأن ما يسجله الدينار عمليات تصحيح يراد منها في الغالب تصحيح أوضاع ظرفية، سواء تعلق الأمر بارتفاع كبير في الواردات أو ضمان عمليات إحصائية مرتبطة باحتياطات الصرف وقيمة الإيرادات. ولاحظ دكتور الاقتصاد أن تخفيض العملة المحلية بالنسبة للعملات الأجنبية يختلف عن الانخفاض التلقائي للعملة، الذي هو نقص قيمة العملة، إما بسبب التضخم وإما بسبب العجز في ميزان المدفوعات، أو بسببهما معًا، والذي يرتبط بعوامل تقنية ودورية. فتخفيض قيمة العملة عملية هيكلية تتم لأسباب وأهداف من بينها ضرورة دعم الاقتصاد أو التجارة أو حماية العملة على المدى المتوسط غالبا. ويتم القيام بها بصورة نادرة وفقا للسياسات الاقتصادية المعتمدة، وأحيانا تتم وفق مقاييس وقواعد العرض والطلب، أي حينما تنخفض القيمة الاسمية لسعر صرف من العملة مقارنة بمجموعة من العملات المرجعية لتراجع الطلب عليها، أو يمكن أن تكون ضمن سياسة مالية تقررها الحكومة في ظل نظام سعر الصرف الثابت للعملات، أما إعادة المراجعة أو إعادة تقييم العملة، فإنها دورية ومنتظمة، ويمكن أن تتم من السلطات النقدية والبنك المركزي لعوامل تقنية لتصحيح القيمة الاسمية للعملة، ولا تحتاج على عكس ما يتم مع تخفيض قيمة العملة إلى إعلام الهيئات الدولية النقدية مثل “صندوق النقد الدولي”، وغالبا ما يكون تأثير الأولى كبيرا على مستوى التوازنات الاقتصادية ومستويات التضخم، على عكس الثانية التي يمكن أن تتم بصورة دورية ومتدرجة. وأكد بدة أن مراجعة سعر صرف الدينار تتم منذ سنوات، وتندرج في سياق سياسة نقدية عامة، بل إن تخفيض القيمة أيضا كان قائما في عدد من الحالات لضرورة إحداث التوازنات الاقتصادية والتجارية، وإنما يتم في الجزائر بصفة تدريجية وعلى مراحل لتفادي الصدمات، كما حدث ذلك في أعقاب اعتماد البنك الجزائري برنامج التصحيح الهيكلي مع صندوق النقد الدولي وإعادة جدولة المديونية الخارجية، مضيفا أن قياس صرف الدينار يتم على أساس حساب سلة من العملات يمثل فيها الأورو حوالي (40 بالمائة) والدولار (40 بالمائة) ثم تأتي العملات الأخرى مثل “الين الياباني” و”الجنيه الإسترليني”، ويتم مراجعة القيمة لدعم قيمة العملة المحلية وتفادي حدوث موجات تضخمية معتبرة، ولدعم الاقتصاد وتفادي اختلال أطراف التبادل، لأن مراجعة العملة يعني دعما للصادرات وتنظيما أو ضبطا للواردات، لأن هذه الأخيرة ستعرف ارتفاعا في التكاليف، وإن كان في الجزائر لا تمثل الصادرات خارج المحروقات سوى 3 في المائة، ولكن حساب صادرات المحروقات بتخفيض القيمة يعرف ارتفاعا، مستطردا بأن مراجعة قيمة الدينار لا تحتمل انعكاسات كبيرة على التضخم وإن كان قائما، ولكن اتباع سياسات السحب المكثف للعملة دون مقابل، لتوفير سيولة وتحديد القيمة إداريا، بحيث تمنح للعملة قيمة اصطناعية هي مؤشرات لا يرغب فيها المستثمرون خاصة الأجانب. أما بالنسبة لدور السوق الموازية للعملة، فإنها تظل معتبرة في ظل غياب الأطر التنظيمية وعدم اعتماد مكاتب الصرف بعد 16 سنة من إقرار القوانين المؤطرة لها، فرغم تأطير عمليات الصرف على خلفية التنظيم رقم 95-07 الصادر عن بنك الجزائر بتاريخ 23 ديسمبر 1995 المعدل والمتمم للتنظيم رقم 92-04 الصادر في 22 مارس 1992 المتعلق بمراقبة الصرف، ولكن بالخصوص التعليمة رقم 13-97 الصادرة في 10 ديسمبر 1997 المعدلة والمتممة للتعليمة رقم 08-96 بتاريخ 18 ديسمبر 1996 المحددة لشروط إنشاء واعتماد مكاتب الصرف، لم يتم اعتماد أي مكتب بسبب غياب تدابير تحفيزية على رأسها هامش الربح المقدر ب1 بالمائة، وهي نسبة متواضعة جدا، يضاف إليها التدابير الإدارية المعقدة للاعتماد، فضلا عن تضييق هامش التعامل الذي يجعل الصرّافين يفضلون البقاء في الدائرة غير الرسمية، والنتيجة أن الأسواق الموازية أضحت مرجعية سواء بالنسبة للقيمة الفعلية للدينار أو كواسطة لتبادل الأموال، سواء بالنسبة للمواطن في ظل ضعف علاوات السفر المقدرة ب130 أورو، أو المتعاملين في ظل سياسة صرف غير مرنة، ولكن هذه السياسة فتحت الباب أيضا لكثير من التجاوزات وعدم التحكم في سوق متنام.