اعتبر الدكتور الطاهر لطرش أستاذ بالمدرسة العليا للتجارة، أن تخفيض أي عملة نقدية من شأنه أن يؤثر على القدرة الشرائية أمام ارتفاع حصة السلع المستوردة الموجهة للسوق الاستهلاكية، مؤكدا أن سياسة التخفيض من قيمة الدينار لا تكفي وحدها في الحد من سقف الواردات، لأن الحل الأنجع يكمن في ترقية الإنتاج وتنويع الاقتصاد الوطني من أجل خلق الثروة حتى يتسنى التقليص من نسبة الواردات، وقال أن السلطات ترتقب من خلال التخفيض استعادة التوازن في ميزان المدفوعات. ❊ الشعب: ما هو الفرق بين الخفض من قيمة الدينار، والانزلاق؟ ❊❊ الدكتور الطاهر لطرش: هناك فرق بين مفهومي خفض وانزلاق قيمة الدينار، ويكون خفض العملة بشكل إرادي للسلطات السياسية لأي لبلد، عبر تغيير سعر التعادل بين العملة الوطنية والعملة الأجنبية، فهو قرار سياسي يتم اتخاذه على أمل تصحيح الإختلالات الهيكلية في الوضع المالي الخارجي أي في ميزان المدفوعات، في حين الانزلاق فهو عبارة عن عملية تلقائية لانخفاض قيمة العملة مقارنة مع عملة أجنبية كنتيجة لعمل السوق، أي وفقا لآلية العرض والطلب على العملة الوطنية والعملة الأجنبية. وعلى هذا الأساس، يعتبر الانزلاق نتيجة لقرارات الأعوان الاقتصاديين في إطار عمليات التجارة الخارجية أساسا كما هو الحال في الجزائر. ❊ الدينار ينزلق بصورة مستمرة، ما الفائدة إذن من قرار التخفيض؟ ❊❊ إنّ الانزلاق تغيير في سعر الصرف بناء على تفاعل العرض والطلب في سوق صرف تتميز بالحرية، ونقصد بذلك نظام الصرف المرن أو العائم، بينما قرار التخفيض يتم اتخاذه في وضع السوق غير الحرة، أي في ظل نظام الصرف الثابت، حيث لا توجد سوق صرف تعمل وفق مقتضيات العرض والطلب. وفي حالة نظام الصرف الثابت، تتخذ السلطات في البلد قرار التخفيض نتيجة للصعوبات الهيكلية في ميزان المدفوعات، التي تزيد من الضغوط على العملة المحلية، حيث تأمل السلطات من وراء التخفيض استعادة التوازن في ميزان المدفوعات عبر الآثار المتوقعة على الصادرات والواردات. ❊ ما هي انعكاسات التخفيض على القدرة الشرائية؟ ❊❊ بطبيعة الحال يؤدي تخفيض سعر العملة إلى التأثير على القدرة الشرائية، خاصة في ظل ارتفاع حصة السلع المستوردة في الاستهلاك. ❊ هل يمكن عن طريق الخفض من قيمة الدينار، التقليص من سقف الواردات؟ ❊❊ هذا هو المفترض، حيث يؤدي تخفيض قيمة العملة الوطنية إلى جعل أسعار السلع المستوردة تقيم بالعملة الوطنية أكثر ارتفاعا مقارنة مع أسعار السلع المحلية، بشكل يؤدي إلى تزايد الطلب على هذه الأخيرة وتقلصه على السلع الأجنبية. ولكن هذا الأمر ليس مطلقا، حيث يتوقف على مدى توفر سلسلة من الشروط على غرار درجة مرونة عرض السلع المحلية؛ ومدى قدرة جهاز الإنتاج الوطني على مواجهة الطلب الإضافي على السلع الوطنية، وأمام غياب مثل هذه المرونة، يبقى تخفيض الواردات أمرا غير مضمون. ❊ كيف يمكن أن نتحكم في الواردات خارج آلية تخفيض قيمة الدينار؟ ❊❊ تهدف عملية تخفيض العملة التأثير على الطلب، ولهذا فهي لا تشكل آلية دائمة للحد من الواردات. وعليه فإنه يتعين التوجه إلى اعتماد سياسات بديلة لسياسة التخفيض. وللإشارة، فإن هذه السياسات تكتسي طابعا هيكليا، غايتها تحريك جهاز العرض أي الإنتاج وتنويع الاقتصاد الوطني، وتأخذ صياغة مثل هذه السياسات وقتا وتضحيات كما أن ثمارها لا تظهر في وقت قصير. وينبغي أن تندرج في سياق شامل ومنسجم ومتواصل للإصلاحات الاقتصادية. ❊ رغم توفر احتياطي الصرف والذهب مازالت العملة الجزائرية منخفضة؟ ❊❊ القيمة الخارجية للعملة لا تحددها احتياطيات الصرف مهما كانت أهميتها، فهذه الأخيرة تزيد فقط من حظوظ السلطات النقدية في الدفاع عن قيمة العملة في ظروف الاختلالات المؤقتة، كما أن أهميتها تظهر في الفترة القصيرة. ما يزيد من متانة القيمة الخارجية للعملة هو أساسيات الاقتصاد مثل هيكل الإنتاج وتنوعه، ومستوى الدخل الوطني ونموه واستمرارية هذا النمو في الزمن. ❊ هل للسوق الموازية للعملة الصعبة تأثير على فقدان الدينار لقيمته؟ ❊❊ أرى أنّه مهما زادت أهمية السوق الموازية للصرف، إلاّ أنّ فقدان العملة لقيمتها تعدّ انعكاسا لصورة الوضع الاقتصادي بشكل عام، وأمّا تزايد أهمية السوق الموازية للصرف هو صورة من صور الاختلال في الاقتصاد.