تواجه الكثير من النساء الحوامل عبر الوطن وفي المناطق النائية تحديدا، الموت الحتمي بعد أن يجدن أنفسهن يواجهن لوحدهن آلام المخاض، بسبب بعد المستشفى عن مقر إقامتهن أو رفضه استقبالهن لأن حالاتهن عسيرة، ليلفظن أنفاسهن أثناء نقلهن على متن سيارات الإسعاف أو سيارات “كلونديستان” تضطر عائلاتهن للاستنجاد بها لمسافات طويلة بإمكاناتها الخاصة في غياب سيارة الإسعاف. أمام غياب الطبيب وسيارات الإسعاف نساء المناطق النائية “أتعس الأمهات” ❊ في الوقت الذي ينادي وزراء الصحة المتعاقبون على القطاع بالإصلاحات، لاتزال الأمهات يدفعن ضريبة الإهمال و”اللامبالاة” في المستشفيات عبر الوطن، وإن كانت المحظوظات منهن يصلن إلى مصالح الولادة ويضعن مواليدهن على أبوابها، تفارق أخريات الحياة إما في منتصف الطريق أو بعد لحظات من وصولهن. فقبل أقل من شهرين، شهدت بلدية الإدريسية بولاية الجلفة وفاة حامل في منتصف العشرينيات أثناء المخاض، وهي في طريقها إلى عاصمة الولاية، بعد أن رفضت المؤسسة العمومية الاستشفائية للبلدية ذاتها استقبالها، ليتولى زوجها إيداع شكوى ضد المستشفى الذي رفض تحمل مسؤولية العملية القيصرية لعدم وجود طبيب التخدير، كما لم يوفر سيارة إسعاف لنقلها إلى مستشفى عاصمة الولاية، بحجة أن حالتها لا تستدعي السرعة، ما جعله ينقلها على متن سيارة خاصة، لتتوفى المسكينة أثناء الطريق قبل وصولها إلى عاصمة الولاية. ونفس السيناريو يكاد يتوفر عبر مختلف الولايات وخاصة بالمناطق النائية فيها، مثل ما حصل بولاية بسطيف لسيدة تنقلت على متن سيارة “كلونديستان” من بلدية جميلة إلى العلمة لوضع حملها، لكنها توفيت في الطريق إلى المستشفى بسبب بعد المسافة. حادثة مشابهة شهدت عليها مدينة سور الغزلان بولاية البويرة مثّلها موت سيدة حامل تعرضت لآلام إجهاض حادة دون أن تجد من يسعفها، رغم ترددها على 4 مستشفيات بدءا من مستشفى سور الغزلان الذي يحتضن أكبر مدرسة لتعليم شبه الطبي والقابلات والذي لم يكن يتوفر على اختصاصي في التوليد، ما جعل مصيرها بين أيدي ممرضات قمن بإسقاط الجنين، لتسوء حالة الأم بعد ذلك مع مكوثها مدة 17 ساعة بذات المستشفى دون أن يطّلع على حالتها طبيب مختص مع عجز الممرضات عن إسعافها، ما اضطر عائلتها لأن تستنجد بطبيب خاص منعته إدارة المستشفى من الدخول، لتقرر العائلة نقلها لمستشفى الولاية الذي رفض استقبالها لأسباب بيروقراطية، لتنقل مرة أخرى وهي بين الحياة والموت لمستشفى “أمشدالة” الذي استأصل فيه رحمها، لتسوء حالتها أكثر بعد إصابتها بنزيف حاد نقلت إثره إلى مستشفى تيزي وزو الذي لم تبلغه لأنها توفيت في الطريق إليه بسبب تفاقم وضعها الصحي. مستشفى “كويسي بلعيش” بمدينة سيدي عيسى بالمسيلة هو الآخر شهد حالة مأساوية لأم كانت على وشك وضع مولودها الرابع، عندما رفض استقبالها من قبل إحدى الممرضات التي أشارت على الزوج بنقل زوجته إلى عيادة الولادة سليمان عميرات بعاصمة الولاية بحجة عدم وجود طبيب مختص في التوليد، وهو ما يعني قطع 100 كلم وسط معاناة المرأة التي كانت تشكو آلام المخاض، لتصل مع قرب خروج العاملين بالمستشفى في ذلك اليوم الرمضاني، ومع حلول موعد الإفطار ازدادت آلامها لكن لا حياة لمن تنادي، فالجميع انصرف لتناول فطوره، بينما كانت المسكينة تصارع وقع نزيف حاد أودى بحياتها. السيناريو نفسه تكرر بالمؤسسة الصحية ل”شلالة العذاورة” مع السيدة “نورة” التي كانت تنتظر مولودها الثاني، حيث لم تجد من يساعدها سوى بعض المريضات لتضع صغيرها لوحدها دون حضور قابلة ولا ممرضة، ما أدى إلى تفاقم وضعها الصحي وإصابتها بنزيف حاد، لتنقل إلى مستشفى سيدي عيسى مع قطع مسافة 37 كلم لم تتحملها النافس التي لفظت أنفاسها قبل بلوغ المصحة المرجوة.