يتحدّث المقرئ والإمام محمد الإبراهيمي إمام المسجد القطب عبد الحميد بن باديس بوهران، في هذا الحوار، عن تجربته مع الإقراء في الأزهر الشّريف، فضلاً على ذكريات فوزه بجائزة القرآن الكريم في المغرب. بداية كيف استقبلت قرار تنصيبك كإمام لهذا المسجد القطب؟ هو في الحقيقة شرف كبير، ولكن في الوقت نفسه مسؤولية وأمانة ثقيلة أوكلت إلينا، نسأل الله أن يعيننا على أدائها وتحملها، وطبعًا أعتزّ بهذه الثّقة ولكن ثقل هذه المسؤولية أكبر من أن يفتخر به الشّخص. كيف يقضي الشّيخ الإبراهيمي يوميات رمضان؟ والله كأيّ مسلم عادي، طبعًا رمضان شهر مبارك يُحتّم نوعا من التغيّر على سلوكيات المرء الّتي يَغلب عليها النّشاط الدّيني من دروس رمضانية، والتّحضير لصلاة التّراويح، وزيارة المسجد، ومراجعة الإخوة الّذين يأتون ليستشيروا حول مسائل فقهية، بالإضافة إلى النّشاطات العادية اليومية الّتي لا تختلف عن أيّ شخص آخر. هل كونك إمامًا ساعدك على أن تكون مقرئا؟ كلّ إنسان يسير وفق أقدار الله عزّ وجلّ، فهناك مَن ساقته للإقراء أو الإمامة أو التّعليم، وأنا ساعدتني الأقدار لأن أجمع بين الإقراء والإمامة، لذلك أعيش أجواء طيّبة جدًّا في كنف كتاب الله إمّا قارئًا وإمّا مفسّرًا، وحتّى رسالتي في الدكتوراه هي في تفسير القرآن الكريم، وبالتّالي فأنا أقرؤه وأدرسه، وأضيف لك معلومة أنّي خطّاط أيضًا وأتمنّى أن أكتب مصحفًا بخط يدي في المستقبل. تكوّنَت في مجال القراءات في الأزهر الشّريف، هل لك أن تحدّثنا عن هذه التجربة؟ والله كانت من أروع التّجارب التي عشتها في حياتي، وأعتبرها تجربة راقية لا تزال آثارها إلى اليوم، لكن الذّهاب هنا أو هناك لا يصنَع من الإنسان قارئًا، إنّما هي إرادة القارئ وتعلّقه بكتاب الله تعالى وتوفيق الله سبحانه وتعالى أوّلاً وأخيرًا. مَن الّذين تأثّرت بهم من القرّاء؟ الّذي أثّر فيَ كثيرًا ولا أدري إن كان حيًّا أو ميّتًا، هو الشّيخ محمّد مندور، وهو عضو لجنة تصحيح المصاحف في الأزهر الشّريف، وكان يدرّسنا الأحكام والقراءات فكان رجلاً فاضلاً ترك أثرًا طيّبًا في نفوسنا، ثمّ هناك الشّيخ عبد اللّطيف عبد الحكيم الّذي كنّا نُصلّي خلفه التّراويح وله قراءة ممتعة، وهؤلاء من كبار المشايخ الّذين تنتهي إليهم القراءة في زماننا، كما هناك أسماء أخرى مثل الطّبلاوي والمعصراوي. أمّا القرّاء الّذين لم نحتكّ بهم فهم يربون عن الحصر أمثال المشايخ محمد رفعت، ومصطفى إسماعيل، وعبد الفتاح الشّعشعي وغيرهم. ولكن كيف يحافظ المقرئ على صوته؟ الصوت مثل البدن أو الأسنان يحتاج إلى رعاية دائمة، فلا يمكن مثلاً للمقرئ أن يشرب ماء باردًا أو يأكل طعامًا ساخنًا ويأتي إلى القراءة، أو يتعرّض للظّروف الطبيعية مثل التيارات الهوائية، كما لا ينبغي أن يضغط على صوته، إذ أنّ كثيرا من الشّباب يحبّون تقليد بعض المشايخ فيحدث لهم تشنّج أو ذبحة وأضرار في الحبال الصوتية. فزتَ بجائزة القرآن الكريم في المغرب، بماذا تشعر حين تسترجع هذه الذكريات؟ استدعيتُ سنة 2008 من قبل الوزارة لتمثيل الجزائر في مسابقة القرآن الكريم الّتي نظّمها الملك محمد السادس آنذاك بمشاركة 32 دولة، ورغم المنافسة الكبيرة من إيران ومصر والمغرب، كتب الله أن أفوز بالجائزة الأولى، وتسلّمتها من الملك، وشعرتُ حينها أنّي وصلتُ إلى مكان ما كان لي أن أصله إلاّ بالقرآن الكريم، فقد وجدتُ نفسي أنا الشّخص البسيط القادم من مجاهل وغياهب الجزائر أجلس في حضرة الملوك، والأمراء، والوزراء، والسفراء، فقلتُ في قرارة نفسي: أنا مَا جاء بي إلى هذا المكان إلاّ كتاب الله تعالى، فهذا الأمر يزيدك شرفًا وتعلّقًا بالقرآن الكريم الذي أوصلنا في الدّنيا إلى هذا المكان، ولعلّه يوصلنا يوم القيامة إلى قرب جلال الله تعالى ونبيّه صلّى الله عليه وسلّم.