يرى الدكتور بلعيد عبان أن كثيرا من المغالطات ألصقت بشخص الشهيد عبان رمضان، منها القول بأنه لم ينتم إلى المنظمة الخاصة (لوس)، وأنه لا يعتبر من القادة النوفمبريين، بل مجرد ”دخيل ركب قطار الثورة متأخرا”. وحاول الدكتور بلعيد في كتاب صدر حديثا عن منشورات ”كوكو” بعنوان ”سُحب على الثورة.. عبان في قلب العاصفة” تفنيد هذه المزاعم التي روج لها خصوم عبان، استنادا لشهادات تؤكد انخراطه في النواة الأولى والراديكالية للثورة. وكشف، بناء على شهادة غير منشورة للمرحوم رابح بيطاط، أن عبان يعتبر من القادة النوفمبريين. ذكر بلعيد عبان أن خصوم عبان رمضان يعتقدون أن فرنسا نقلت عبان رمضان من سجن ”آلبي” إلى سجن الحراش، ومن ثم أطلقت سراحه ثلاثة أشهر بعد اندلاع الثورة لكي ترمي به وسط قادة الثورة كعنصر دخيل ومخترق يعمل لصالح الاستخبارات الفرنسية.ويضيف الدكتور عبان أن هذا الطرح الذي روج له خصوم عبان ليس صحيحا، بحجة أن عبان أبدى مواقف راديكالية مناهضة للوجود الفرنسي، ولم تغيره سنوات السجن، كما أن صلته بقادة الثورة وبالخصوص مجموعة الستة التي فجرت الثورة، تبعد عنه هذه الشبهة، معتبرا أن عبان لم يكن غريبا عن قادة الثورة وعن التحضيرات التي كانت جارية للعمل المسلح، بدليل ”أنه أخبر شقيقه وهو في السجن أن الجزائر ستعرف قريبا حدثا حاسما، في إشارة منه إلى اندلاع الثورة”. ولا تتوقف الصورة الإيجابية التي رسمها المؤلف عن شخصية قريبه عبان رمضان عند هذا الحد، بل تجاوزتها إلى حد اعتباره بمثابة القائد الذي خلص الثورة من حالة التململ التي لحقت بها بضعة أشهر بعد اندلاعها.ويرى أن اللقاء الذي جرى بين عبان والعقيد عمر أوعمران في ”عزوزة” خلال شتاء 1955، جعل هذا الأخير يبدي ثقة كبيرة في قدرات عبان، لكن هذا لا يعني أن أوعمران سهل لعبان طريق العاصمة، حيث أصبح قائدا سياسيا عقب إلقاء القبض على رابح بيطاط في مارس 1955، مثلما يعتقد البعض، حيث إن عبان كان من القادة المكرسين والفاعلين منذ المنظمة الخاصة. عبان أعطى للثورة بعدا وطنيا حمل انخراط عبان الفعلي في الثورة تغييرا استراتيجيا أعطى ثماره، وأعطى للتمرد صفة الثورة الحقيقية.لقد أدرك عبان، حسب المؤلف، أن ”الانتصار العسكري ضد فرنسا يعتبر من المستحيلات لو لم يكن مرفقا بعمل سياسي وأيديولوجي يعطي الثورة دفعا قويا”.وعليه، فكّر عبان، عبر المناشير التي كان يكتبها لتوزع على مستوى العاصمة، في ضرورة تجاوز الإرث الثقيل لحزب الشعب والمتمثل في اعتبار أن ”تحرير البلاد لن يتم إلا بواسطة الحزب، وبفضل القيادة المستنيرة لمصالي الحاج”، وأحل محله فكرة مغايرة تماما، وهي ”أن الثورة مهمة تلقى على عاتق الشعب برمته، وليس على كاهل فئة من هذا الشعب، مهما كانت أهميتها”.ومن هنا، انطلق عبان وفق ما جاء في الكتاب نحو تحقيق الوحدة الوطنية، وإعطاء الثورة بُعدها الوطني الذي يضمن النضال الحقيقي ضد الاستعمار.
أدى هذا الدور الفعال الذي لعبه عبان داخل الثورة إلى اقتناع الدكتور لمين دباغين بفكرة الانخراط في جبهة التحرير الوطني، وقد نجح عبان فيما فشل فيه بعض من أعضاء مجموعة الستة من الذين عجزوا عن إقناع الدكتور دباغين بالالتحاق بالثورة.ومن هنا، يعتقد بلعيد عبان أن تنظيم الثورة انتقل من الثنائي بوضياف - بن بلة، إلى عبان رمضان - بن مهيدي مباشرة.وبرز نجاح عبان بعد أن استطاع أن يقنع باقي التنظيمات السياسية بحل نفسها والالتحاق بجبهة التحرير الوطني، ضمن الجبهة الوطنية الموحدة للثورة. كما تكمن قوة عبان، حسب المؤلف، في كونه تعالى عن الصراعات السياسية لمرحلة ما قبل الثورة داخل حزب الشعب - انتصار الحريات الديمقراطية، بين المصاليين والمركزيين. وفي الحقيقة، فإن سنوات السجن أبعدت عبان عن هذه الصراعات، فلم تؤثر على مساره الثوري، على خلاف كثير من قادة الثورة من أنصار التيار الراديكالي. ويرى المؤلف أن خصوم عبان بدأوا يتشكلون منذ هذه اللحظة، أي بخصوص انخراط المركزيين في الثورة، وإسنادهم مناصب مسؤولة، موضحا أن الثلاثي كريم بلقاسم، بن طوبال وبوصوف، سوف يختلفون مع عبان خلال اجتماع مجلس الثورة في أوت 1957، بعد أن طرحوا فكرة ضرورة إبعاد بن خدة، وسعد دحلب من قيادة الثورة.
ويطرح الدكتور عبان السؤال التالي: ”لماذا أصر عبان على الدفاع عن المركزيين؟”. وأجاب: ”لأنه لم يشك يوما في وطنية هؤلاء المركزيين”. ويكشف المؤلف، استنادا لشهادة تركها سعد دحلب، أن عبان رمضان كان أول قائد يطرح فكرة عقد مؤتمر وطني لقادة الثورة، موضحا أن الفكرة لم تكن لتتجسد على أرض الواقع دون الدور الفعّال الذي لعبه بن مهيدي. وساهم الرجلان في دفع القوة المؤثرة للسياسيين خلال مؤتمر الصومام، فكلاهما يتقاسم نفس الأفكار الثورية ونفس الطرح المتعلق بضرورة إيجاد قوة ثورية تسير الثورة من الداخل وليس من القاهرة، في إشارة إلى جماعة الخارج المتمركزة في القاهرة. وفي الصومام، وعقب القرارات التي انبثقت عنه، بدأت تتضح ملامح رفض أفكار عبان وبن مهيدي بخصوص أولوية السياسي على العسكري، وإعطاء الصبغة المدنية وطابع المواطنة على الجزائر المستقلة. وجاء في الكتاب: ”لقد أعطى مؤتمر الصومام لبيان أول نوفمبر طابعا وطنيا منظما”. كما يتوقف المؤلف مطولا عند علاقة عبان بتصفية عناصر وطنية من منطقة القبائل (على غرار بناي واعلي) الذين اتهمتهم قيادة حزب الشعب – انتصار الحريات الديمقراطية بأنهم من ”أنصار التيار البربري”. إذ يكشف الكتاب، استنادا لشهادة الصادق حجرس، أن ما يسمى ”التيار البربري” عبارة عن فكرة مفبركة، محاولا تفنيد الفكرة التي روّج لها عدد من المؤرخين الذين أوردوا أن عبان هو من يقف وراء هذه التصفية.
عبان كانت له شخصية القائد الذي يبحث أولا عن انتصار الثورة يشرح المؤلف، أيضا، علاقة عبان بقائد الولاية الثالثة كريم بلقاسم. وجاء في الكتاب استنادا لشهادة علي يحيي عبد النور الذي صرح للمؤلف: ”كان كريم يريد أن يكون قائدا للثورة، وكان يتصرف كذلك، ولما طلب من عبان أن يعمل معه، كان ذلك بغرض أن يساعده على تأكيد مكانته كقائد للثورة. كان يعتقد أنه يلعب دور القائد الأوحد، لكن عبان كانت له شخصية القائد الذي يبحث أولا عن انتصار الثورة”.
وأوضح المؤلف بخصوص الخلاف بين عبان وكريم بلقاسم دائما، أنه لا يوجد خلاف عقائدي بين الرجلين، مرجعا جفاء العلاقة بين الطرفين خلال مرحلة ما بعد مؤتمر الصومام لأسباب متعلقة بالزعامة. وناقش الدكتور بلعيد عبان آراء المؤرخين بخصوص هذه المسألة الشائكة، موضحا أن عبان لم يكن بمثابة القائد الذي ركب قطار الثورة متأخرا مثلما يعتقد كريم بلقاسم الذي أراد، حسبه، أن يجعل من عبان تابعا له. واستنادا إلى شهادة غير منشورة أدلى بها المرحوم رابح بيطاط للمؤلف، فإن عبان كان بمثابة رجل فاعل وأساسي في الثورة. وجاء في الكتاب أن بيطاط صرّح بما يلي: ”كان من المفروض أن تنطلق الثورة يوم 1 فيفري أو 1 مارس أو أي تاريخ آخر، مع الأخذ بعين الاعتبار تاريخ إطلاق سراح عبان المنتظر خلال بداية عام 1955. وبالفعل اقترح بن مهيدي خلال أحد الاجتماعات التي عقدناها في بداية العام 1954 تأجيل تاريخ اندلاع الثورة إلى غاية إطلاق سراح ”أنسلم” (الاسم المستعار لعبان رمضان) وناقشنا الاقتراح، لكن بوضياف بقي ملتزما بتاريخ أول نوفمبر، مذكرا الجميع بأن اليوم الموعود أجل مرتين، وأكد بوضياف على أن عبان سوف يأخذ مكانته بين القيادة بمجرد أن يغادر السجن”. وكتب الدكتور عبان أن كريم بلقاسم والعقيد أوعمران اتصلا بعبان من منطلق أنه حلقة أساسية في قيادة الثورة، مستنتجا: ”كان عبان شخصية فاعلة ضمن حلقة النوفمبريين”، موضحا أنه تصرف بمجرد أن التحق بالعاصمة كقائد وليس كمن التحق بالقطار متأخرا. واستنادا إلى رابح بيطاط دائما، ورد في الكتاب ما يلي: ”لما وصل عبان إلى العاصمة في مارس 1955 حدث سوء تفاهم بينه وبين كريم بلقاسم. كان عبان يريد أن يتأكد بأن كريم يعتبر قائدا وطنيا فعلا وفي نفس رتبة باقي النوفمبريين، فأبدى رغبة في لقاء العربي بن مهيدي ومحمد بوضياف اللذين تعرف عليهما خلال نضاله في المنظمة الخاصة (لوس) في شرق البلاد، حينها تدخلت شخصيا لتجاوز سوء التفاهم، فشرحت له أن كريم اختير فعلا كقائد وطني مكلف بمنطقة القبائل، وأن بن مهيدي كلف بمنطقة الغرب، بينما التحق بوضياف بالوفد الخارجي. وبالفعل تم تجاوز سوء التفاهم بسرعة”.
يرجع المؤلف أسباب حيازة عبان على مكانة القائد في العاصمة إلى قدرته على فرض تصور سياسي للثورة بعد إيقاف بيطاط، في وقت أراد كريم (استنادا إلى شهادة مراد بوقشورة) أن يجعل من العاصمة منطقة تابعة لقيادة المنطقة الثالثة، معتبرا أن ”عبان فرض نفسه فعلا كقائد سياسي بفضل قدرته على التسيير السياسي.”.. ويقدم المؤلف شروحا وافية لتدهور العلاقة بين عبان وكريم بلقاسم، وكيف وجد عبان نفسه معزولا بعد تراجع قادة الثورة عن قرارات مؤتمر الصومام، وكيف دخل الثنائي بن بلة وأحمد محساس كطرف في الصراع، لتتشكل جبهة قوية معارضة لعبان، مفندا الطرح القائل بأن عبان كلف المجاهد أرزقي باسطا لتصفية محساس، واعتبر أن هذا الأخير هو من روج لهذا الطرح حتى يضرب خصمه الأبدي (عبان) ويظهره في صورة الدموي. وفضل بلعيد عبان إنهاء كتابه بفصل تطرق فيه لخلافات عبان مع عبد الحفيظ بوصوف، وترك قضية تصفية عبان رمضان لكتاب آخر سينشر قريبا، وأوضح، في تصريح ل«الخبر”، مؤخرا، بأنه سوف يكشف عن الأسماء التي تورطت في هذه القضية المؤلمة.