كنت أقرأ صحيفة “الجزيرة” فاستوقفني عنوان عن القلق والإبداع والأدب المعاصر، وأدهشني وأنا أقرأ أنّ المتنبي ذكر اسمه في سياق واحد مع نزار قباني.. المتنبي الحكيم يقول في تصوير المجد وتكاليفه: لاَ يُدْرِكُ الْمَجْدُ إلاَّ سَيِّدٌ فَطِنٌ لمَا يَشُقُّ عَلَى السَّادَاتِ فَعَّالُ..! لاَ وَارِثٌ جَهِلَتْ يُمْنَاهُ مَا كَسَبَتْ وَلاَ سَؤُولٌ بِغَيْرِ السَّيْفِ سَأَلٌ! والقباني يقول في رثاء امرأته: السّيف يدخل لحم خاصرتي وخاصرة العبارة! كلّ الحضارة أنت يا “بلقيس”... والدّنيا حضارة! الحقّ أنّي استنكرت الجمع بين الحكمة والقمامة، بين الأدب في الأوج والأدب في القاع! بيد أنّي عُدت إلى نفسي أقول: إنّ ما وقع في ميدان الشّعر والنثر صورة مساوية لما وقع في ميدان الدعوة، أليس مضحكًا أن يدخل داعية في مسجد، فينظر إلى المنبر ثمّ يقول: بدعة! لماذا؟ لأنّه من سبع درجات، ويرى أن يقف على الثالثة لا يعدوها.. ثمّ يرى المحراب فيقول أيضًا: بدعة.. لماذا؟ لأنّه مجوّف في الجدار، ثمّ ينظر إلى السّاعة ويقول: بدعة.. لماذا؟ لأنّها تدق كالجرس.. وأخيرًا يتكلّم فيخوض في موضوع غثٍّ، لا ينبّه غافلاً ولا يعلِّم جاهلاً، ولا يكيد عدوًّا.. المهم عنده الاستمساك بالسنّة...! أيُّ سنّة تعني؟ إنّ النّبيّ العربي محمّد صلّى الله عليه وسلّم قدر بسنّته إحياء أجيال بدّلت الأرض غير الأرض، وحطّمت إمبراطوريات ذاهبة في الطّول والعرض، إنّه صلّى الله عليه وسلّم أنعش بسُنّته جماهير كانت في غيبوبة، وأطلقها تسعى بعدما أضاءها من الدّاخل فعرفت المنهج والغاية! إنّنا بحاجة إلى شعاع على مسار الدّعوة، وحقيقة السنّة، فكم ظلمت السنّة ممّن يتشدّقون بها.