كلمة من الكلمات قد تكون معولاً صلبًا يهدم صرح أسر وبيوتات، كلمة قد تنقل صاحبها من سعادة وهناء إلى محنة وشقاء، كلمة كم أبكت من عيون، وكم أجهشت من قلوب، وكم روّعت من أفئدة، إنّها كلمة صغيرة الحجم، ولكنّها جليلة الخطب، إنّها كلمة ترتعد الفرائص بوقعها، تقلب الفرح ترحًا والبسمة غصّة، إنّها كلمة الطّلاق، وما أدراك ما الطّلاق؟! كلمة الوداع والفراق، والنّزاع والشّقاق، كم هدّمت من بيوت، وكم قطّعت من أواصر للأرحام والمحبّين.. يا لها من ساعة رهيبة، ولحظة أسيفة، يوم تسمع المرأة طلاقها، فتكفكف دموعها، وتودّع زوجها، يا لها من لحظة تجفّ فيها المآقي، حين تقف المرأة على باب دارها لتلقي نظرات الوداع على عشّ الزّوجية، المليء بالأيّام والذّكريات، يا لها من لحظة عصيبة حين تقتلع السّعادة أطنابها من رحاب ذلك البيت المبارك. حثّ المصطفى صلّى الله عليه وسلّم أبا هريرة رضي الله عنه فقال له: “فاظفر بذات الدِّين تَرِبَت يداك”، هذه هي الزّوجة الّتي يحثّ الشّارع الحكيم على تحصيلها والرّضا بها، ويدعو على مَن أراد غيرها وزهد فيها ورغب عنها، ومن المعلوم بداهة أنّه لا يرغب في الظفر بذات الدّين إلاّ مَن كان قلبه معلّقًا بالدِّين، وكانت نفسه زكية، ومن هذه حاله فلا غرو أن يُرزق المودة بينه وبين زوجه “الدّنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة”، فمتى كان الدّين بين كل زوج وزوجته، فمهما اختلفَا وتدابرَا وتعقّدت مشاكلهما، فإن كل عقدة من العقد لا تجيء إلاّ ومعها طريقة حلّها. الطّلاق كلمة لا ينازع أحد في جدواها، وحاجة الزّوجين إليها، حينما يتعذّر العيش تحت ظلّ واحد، وإذا بلغ النفور بينهما مبلغًا يصعب معه التودّد، فالواجب أن يتفرّقَا بالمعروف والإحسان كما اجتمعَا بهذا القصد: {وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ الله كُلاًّ مّن سَعَتِهِ وَكَانَ 0للهُ وٰسِعًا حَكِيمًا}، فالله عزّ وجلّ لم يخلق الزّوجين بطباع واحدة، والزّوجان اللّذان يظنّان أنّهما مخلوق واحد، يعيشان في أوهام؛ إذ كيف يريد منها زوجها أن تفكّر برأسه، وكيف تريد هي منه أن يحسّ بقلبها. إنّ النّسيم لا يهب عليلاً داخل البيت على الدوام، فقد يتعكر الجو، وقد تثور الزوابع، وإن ارتقاب الراحة الكاملة نوع من الوهم، ومن العقل توطين النفس على قبول بعض المضايقات، وترك التعليق المرير عليها: {فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ 0للهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا}، بيد أنّ بيوتات كثيرة فقدت روح التديُّن، فهي تتنفّس في جو من الشراسة والنكد، واكتنفتها أزمات عقلية وخلقية واجتماعية. كثر الطّلاق اليوم حينما فقدنا زوجًا يرعى الذِّمم، حينما فقدنا الأخلاق والشِّيم، زوج يستلم اليوم زوجته من بيت أبيها عزيزة كريمة ضاحكة مسرورة، ويردّها بعد أيام حزينة باكية مطلَّقة ذليلة، كثر الطّلاق اليوم حينما استخفّ الأزواج بالحقوق والواجبات، وضيّعوا الأمانات والمسؤوليات، سهر إلى ساعات متأخرة، وضياع لحقوق الزوجات، كثر الطلاق اليوم حين كثر النمّامون والحسّاد والواشون، كثر الطّلاق اليوم حينما فقدنا زوجًا يغفر الزلّة ويستر العورة، حينما فقدنا زوجًا يخاف الله ويتّقيه، ويرعى حدود الله، ويحفظ العهود والأيّام والذكريات الجميلة الّتي مضت، كثر الطّلاق اليوم حينما فقدنا الصّالحات القانتات الحافظات للغيب بما حفظ الله، حينما أصبحت المرأة طليقة اللّسان، تخرج متى شاءت، وتدخل متى أرادت، خرَّاجة ولاّجة إلى الأسواق، وإلى المنتديات واللقاءات، مضيّعة حقوق الأزواج والبنات، يا لها من مصيبة عظيمة، كثر الطّلاق اليوم حينما تدخَّل الآباء والأمّهات في شؤون الأزواج والزوجات، الأب يتابع ابنه في كلّ صغير وكبير، وفي كلّ جليل وحقير، والأم تتدخَّل في شؤون بنتها في كلّ صغير وكبير، وجليل وحقير، حتّى ينتهي الأمر إلى الطّلاق والفراق،.كثر الطّلاق اليوم لمّا كثرت المسكرات والمخدّرات، فذهبت العقول وزالت الأفهام، وتدنَّت الأخلاق، وأصبح النّاس في جحيم وألم لا يطاق، كثر الطّلاق لمّا كثرت النّعم، وبطر النّاس الفضل من الله والكرم، وأصبح الرجل يتزوج اليوم ويطلّق في الغد القريب، فرحم الله رجلاً محمود السِّيرة، طيب السَّريرة، سهلاً رفيقًا، ليّنًا رؤوفًا، رحيمًا بأهله، لا يكلّف زوجته من الأمر شططًا، وبارك الله في امرأة لا تطلب من زوجها غلطًا، ولا تحدث عنده لغطًا “إنّ شرّ النّاس عند الله منزلة يوم القيامة، الرّجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثمّ ينشرها”، “إذا صلّت المرأة خمسها، وحصّنَت فرجها، وأطاعت بعلها، دخلت من أيّ أبواب الجنّة شاءت”.