تعيش الساحة الإعلامية في وهران، هذه الأيام، حالة ذهول بعد اضطرار مالك يوميتي “صوت الغرب” و”لافوا دولوراني” إلى تعليق صدورهما منذ يوم الأحد الماضي، بسبب توقف الوكالة الوطنية للنشر والإشهار “أناب” عن إمدادهما بالإعلانات العمومية، في الوقت الذي تستفيد جريدتان يوميتان، مالكهما مجهول، من صفحة إعلانات عمومية يوميا لكل واحدة منهما. وهما الجريدتان اللتان لا تنزلان إطلاقا إلى الأكشاك. فقد اختفت اليوميتان “صوت الغرب” و”لافوا دولوراني”، منذ بداية الأسبوع الجاري، بعد 17 سنة من التواجد في الساحة الإعلامية في غرب البلاد، وسيتشرد أكثر من 50 عاملا بين صحفيين وتقنيين وإداريين، رغم أن خطهما الافتتاحي “انحاز منذ سنة 2003 بوضوح للمروجين للعهدة الثانية لرئيس الجمهورية ثم الثالثة”. وبدأت الوكالة الوطنية للنشر والإشهار تقلل دعمها للجريدتين منذ أن صار مالكها عبدو غالم، ملازما لأحمد بن بيتور، ونظم له في مقر الجريدتين في وهران ندوة خلال إعلانه نيته الترشح لرئاسيات 2014. ليستمر التضييق على العنوانين إلى أن توقف الإشهار العمومي نهائيا، مع تعيين جمال كعوان مديرا للوكالة الوطنية للنشر والإشهار منتصف السنة الماضية. وهو نفس التضييق الذي تعيشه أغلب الجرائد التي توجد مقراتها الاجتماعية في وهران، باستثناء عنوانين اثنين بالعربية والفرنسية يصدران عن نفس المؤسسة، مازالا يستفيدان من سخاء “أناب” التي تمنحهما ثلاثا إلى أربع صفحات إشهار. وتستفيد 5 يوميات لا يتجاوز سحبها مجتمعة 10 آلاف نسخة، من صفحة واحدة إعلانات عمومية لكل واحدة منها. في حين لا يتجاوز ما تمنحه “أناب” صفحتين لعشرين عنوانا، حسب “حظ” مالك الجريدة، بين ربع صفحة يوميا أو كل يومين. إلا أن الأغرب هو أن جريدتين يوميتين تستفيدان يوميا من “سخاء أناب” بصفحة فأكثر لكل واحدة منهما يوميا. ولا يعرفهما حتى أصحاب الأكشاك، وهما “لوريجيونال” و”الأحداث الجهوية” اللتان لا أحد يعرف صحافييها ولا مسؤوليها ولا حتى مقراتها. وكانت صحيفة “لوريجيونال” التي تأسست في وهران في بداية الألفية، قد تغير ملاكها عدة مرات، لتستقر بين يدي سي حمدي خثير، النائب في المجلس الشعبي الوطني عن حزب الحركة الشعبية الجزائرية لعمارة بن يونس، وهو الذي ساهم قبلها في تأسيس العديد من الجرائد في وهران. لكنه لم يصدر العنوان الذي اشتراه “لوريجيونال”، ليظهر فجأة وفي “الخفاء” منذ سنة تقريبا، لكن ليس في الساحة الإعلامية ولكن فقط في عالم الإعلانات العمومية. كما ظهرت جريدة جديدة في وهران في نفس العام، دون أن يسمع بها أحد. وهي يومية “الأحداث الجهوية”، التي تشترك في الاسم مع جريدة دورية تصدر في الخميسات في المملكة المغربية. هذه اليومية التي يوجد مقرها في حي حسن الجوار في مدينة وهران، ليست معتمدة لدى مصالح ولاية وهران، ولا تعرفها مصالح الضرائب ولا مديرية الضمان الاجتماعي، كما تأكدت “الخبر”. وحتى جيران هذه الجريدة في العنوان الذي يحتضنها لا يعرفونها ولا يعرفون العاملين فيها. في حين أن جيران جريدة “لوريجيونال” في العمارة رقم 29 شارع بغدادي محمد بوسط مدينة وهران، يقولون إنها رحلت منذ مدة طويلة. ويبقى المقر الواقع في الطابق الثالث من ذات العمارة، والذي كان يحتضن الجريدة، مغلقا. ولا أحد يعرف أين تنشط حاليا. وعلى خلاف نظيرتها “الأحداث الجهوية” التي لا تحمل أي توقيع للمقالات التي تنشرها، فإن جريدة “لوريجيونال” تحمل بعض التوقيعات لمراسلين من ولايات غرب البلاد. أما بقية المواضيع التي تنشرها فهي كلها مستنسخة من المواقع الإخبارية على الأنترنت أو وكالة الأنباء الجزائرية. ويتكتم كل الذين استفسرتهم “الخبر” على ملاك الجريدتين اللتين يشرف عليهما مسؤولان للنشر غير معروفين إطلاقا في عالم الصحافة. أحدهما كان مكلفا بجلب الإعلانات العمومية من وكالة وهران للوكالة الوطنية للنشر والإشهار لفائدة جريدة. لكن في مقر هذه الوكالة بشارع خميستي في وهران، يعرف العاملون فيها أن “حالة الجريدتين ازدهرت” منذ تعيين غربي عبد الرزاق نائبا لمدير مصلحة الإعلانات في المديرية العامة بالعاصمة من طرف المدير الجديد جمال كعوان. وهو الذي أعيد إدماجه في هذه المؤسسة العمومية التي تم توقيفه منها في منتصف العشرية الماضية. واشتغل لمدة سنة تقريبا مكلفا بالتوزيع في مؤسسة “الجزائري نيوز” التي غادرها، ليعود إلى نفس الوكالة العمومية بعد وساطة من قريبه حميد ڤرين، عندما كان مكلفا بالإشهار في مؤسسة “جازي” للهاتف النقال. واشتغل في مصلحة المستخدمين قبل أن يرقيه المدير الجديد إلى مصلحة الإعلانات. وقد عاشت وكالة وهران، في أكتوبر الماضي، حالة اضطراب عندما حل بها المدير العام جمال كعوان، وقرر توقيف مدير وكالة وهران. إلا أنه عاد إلى منصبه بعد 15 يوما. واستمر بعدها في إمداد الجريدتين وغيرهما من الجرائد “المحظوظة” بالإعلانات العمومية. لكنه صار يشتغل أسبوعا ويخرج أسبوعا في عطلة مرضية مثلما هو عليه هذا الأسبوع. وأسر العاملون في هذه الوكالة أن توزيع الإعلانات صار يتم عن طريق الهاتف من العاصمة، وتحرص الإدارة العامة للوكالة يوميا، عن طريق المسؤول الفعلي لمصلحة توزيع الإعلانات “ريجي”، غربي عبد الرزاق، على منح الجريدتين المذكورتين “حقهما” وهو صفحة كاملة محسوبة بسعر النشر في اليوميات الوطنية. هذه الوضعية أثارت “استياء” الناشرين في وهران، الذين تنقل الكثير منهم إلى المديرية العامة للوكالة الوطنية للنشر والإشهار في العاصمة، وطرحوا مسألة “التفضيل” الذي تمارسه لفائدة جرائد لا توزع ولا يعرفها القراء. وعاد بعضهم ب”ربع صفحة” يوميا. كما تقدمت الكثير من الإدارات العمومية في ولايات غرب البلاد بشكاوى إلى وزارة الداخلية والوزارة الأولى، بسبب تعطل المشاريع العمومية بفعل نشر إعلاناتها في الجريدتين اللتين لا يطلع عليهما المهتمون بالإعلانات الخاصة بالمشاريع المعروضة للمناقصة العمومية، وكذلك من متاعب التنقل إلى وهران للحصول على نسخ الجريدتين اللتين نشرت فيها إعلانات الولايات والإدارات العمومية. وفي هذه الأثناء، يفقد عشرات الصحفيين والتقنيين مناصب عملهم بسبب غلق والتهديد بغلق الجرائد التي تصدر في وهران، والتي تخنقها الوكالة الوطنية للنشر والإشهار بحرمانها من الإعلانات العمومية.