بلغت قضية “الخبر”- وزارة الاتصال، ربع الساعة الأخير من مسار قضائي استعجالي تجاوز كل الحدود الزمنية، لحد أنه أصبح سابقة في تاريخ الغرف الاستعجالية، بل رقما قياسيا، على اعتبار أن أقصى مدة للفصل -بشهادة محامين- لا تتجاوز الأسبوع. ليس عدم توفر الطابع الاستعجالي في القضية وحده الذي يميزها، فقد سبقه خطأ وقع فيه الشاكي وزارة الاتصال بقرارها الاستناد إلى مواد قانون الإعلام الجديد (2012)، وهو لا يسوغ لها رفع الدعوى، بل من حق سلطة الضبط للصحافة المكتوبة التي لا تستطيع الوزارة الاستحواذ على صلاحياتها. في هذا الاتجاه، تقول المحامية مسعودة علواش إن وزارة الاتصال التي تطالب بتجميد آثار صفقة بين شخصين معنويين تنعدم فيها الصفة لرفع الدعوى، لأن ذلك وفي كل الحالات من اختصاص سلطة الضبط غير الموجودة إلى غاية اليوم، رغم صدور قانون الإعلام الذي ينص عليها في سنة 2012. ثم إن قيام مجمع “الخبر” بالتنازل عن جزء من أسهمه لشركة “ناس برود” التي هي فرع في مجمع “سيفيتال” لمالكه رجل الأعمال إسعد ربراب، معاملة تجارية بحتة، لذا فإن أي خلاف أو شكوى يكون محلها القسم التجاري وليس المحكمة الإدارية، وهو ما يطرح تساؤلا حول أسباب تدخل الوزارة. وحسب المتحدثة، فإن القضاء أو الغرفة الاستعجالية غير مختصة في البت في مثل هذه القضايا، فهي مخولة بالنظر في الدعاوى ذات الصبغة الفورية المحضة، في حين أن نزاع “الخبر”- وزارة الاتصال يكتسي الصبغة التجارية ويضم بنودا تجارية لا تدخل في نطاق مهام القضاء الإداري. ومن هنا يمكن فهم تصريحات وزير العدل الطيب لوح الذي دعا مرارا وتكرارا إلى عدم الضغط على القضاة، عندما كان يُسأل عن قضية “الخبر”. ونفس الشيء يكون قد تفطن إليه مدير ديوان رئاسة الجمهورية الأمين العام للأرندي أحمد أويحيى الذي صار يتبع خطوات وزير العدل، وهو قاض قبل أن يكون وزيرا. ويظهر جليا بأن وزارة الاتصال التي كانت على دراية كاملة بمسار إبرام صفقة “الخبر”- “ناس برود”، أرادت أن توقع بالمجمع في فخ الاستدانة لمجمع “سيفيتال”، ومن ثمَّ تحويل صراع “سيفيتال” ليكون مع مجمع “الخبر”، بدل أن يكون مع الحكومة التي تعرقل مشاريعه، وهو ما يفسر تعدد إجراءات استدراك العريضة الأولى بتصحيحات تارة، وبإقحام المساهمين في القضية لمساءلتهم عن سبب بيعهم أسهمهم! من جهة ثانية، تتساءل المحامية علواش “إذا كانت الوزارة لا تتوفر على الصفة التي تؤهلها لرفع الدعوى، وينعدم في القانون اضطلاع وزير الاتصال بصلاحيات سلطة الضبط للصحافة المكتوبة، فإن الحكم المتوقع إصداره من قِبل القاضي هو عدم الاختصاص النوعي، وأي حكم يخالفه، أي تجميد الصفقة، سيكون غير مؤسس”. وعن سؤال حول أحقية مجمع “الخبر” في المطالبة بتعويضات عن الخسائر المادية والمعنوية المترتبة عن التأجيل المتكرر للنظر في القضية، أوضحت علواش أن ذلك ممكن بعد صدور الحكم النهائي، وبناء على دعوى يرفعها مجمع “الخبر” ضد وزارة الاتصال أمام الغرفة الاستعجالية للمطالبة بالتعويض. كرونولوجيا القضية 19أفريل: وزارة الاتصال ترفع دعوى استعجاليه أمام المحكمة الإدارية للجزائر من أجل إبطال صفقة بيع الشركة لأسهم “الخبر” لرجل الأعمال إسعد ربراب لمخالفتها قانون الإعلام، حسب زعمها. 20 أفريل: إدارة “الخبر” تعبر عن اندهاشها لتحريك دعوى قضائية ضدها، وتؤكد أن الصفقة تمت في شفافية وطبقا لأحكام القانون والقانون الأساسي لشركة “الخبر”، ومجمع “سيفتال” “يعرب ارتياحه لسلامة الشروط القانونية التي تمت في عملية تنازل قطاع من مساهمي “الخبر” عن أسهمهم لفائدة “ناس برود”، فرع المجمَع. وأن “ناس برود” اتبعت واحترمت التشريعات الجزائرية السارية والمتعلقة بالمؤسسات الإعلامية. 1 ماي: نقابة وعمال وصحفيو مجمع “الخبر” ينددون بممارسات وزير الاتصال، ويؤكدون عدم معارضتهم للصفقة، ويتأسفون لعدم استشارة الشريك الاجتماعي. 3 ماي: وزير الاتصال يصرح في اليوم العالمي لحرية الصحافة: الصفقة غير قانونية وإذا رأت العدالة عكس ذلك فإن الوزارة ستقبل وستمتثل لقرارها. وفي حوار ل “موقع كل شيء عن الجزائر” قال قرين “لم أتلق تعليمات، ولا نية لي في غلق جريدة الخبر، لكني لن أتردد في تطبيق أحكام القضاء الجزائري”، موازاة مع حملة إعلامية لوسائل الإعلام العمومية وصحف خاصة ضد “الخبر” و “ليبرتي” و “الوطن”، ورئيس مجمع “سيفيتال”. إسعد ربراب يصرح لوكالة الأنباء الفرنسية: ما تقوم به الحكومة الجزائرية ضربة ضد الصحافة المستقلة في الجزائر.. دعوى الإبطال هي قضية سياسية.. هناك من يريد عدم تواجد خط إعلامي مستقل عن السلطة في الجزائر. 5 ماي: صحيفة “النهار” تنشر نسخا من عقد بيع مجمع “الخبر” لرجل الأعمال إسعد ربراب دون حجب المعلومات الشخصية للمساهمين. 11 ماي: تأجيل جديد للقضية، وتبادل العرائض، ووزارة الاتصال تغيّر شكل الدعوى من المطالبة بإبطال الصفقة إلى تجميدها، وقاضي الجلسة يطرد محامي وزارة الاتصال محسن عمارة. وقفة مساندة ل “الخبر” ورفع شعارات “قرين لن نركع”، “كلنا الخبر”، “نحن لن نستسلم، ننتصر أو نموت”. 16 ماي: وزير الاتصال يصرح في ندوة بجامعة الجزائر 3: القضية التي رفعتها الوزارة بشأن صفقة مجمع “سيفيتال” لشراء أسهم في مجمع “الخبر” قضية تجارية بحتة، وليس لها أي بعد سياسي. نواب معارضون يطالبون خلال مناقشة قانون تسوية الميزانية برفع المضايقات على “الخبر”. 20 ماي: الأمين العام لجبهة التحرير الوطني عمار سعداني: من يريد شراء “الخبر” هو الجنرال توفيق من خلال ربراب. وزير الاتصال حميد قرين أشرف وأنظف من كل الأقلام الصحفية التي تستهدفه. 22 ماي: وزير الاتصال حميد قرين ينفي نية الحكومة إغلاق جريدة “الخبر”. 25 ماي: المحكمة تؤجل النظر في القضية في غياب القاضي الرئيسي، ووزارة الاتصال تطلب إدخال بقية مساهمي “الخبر” في الخصومة زيادة عن شركة “ناس برود” ورئيس مجلس إدارة المجمع. مساندون من شخصيات وقادة أحزاب وصحفيين في الموعد مرة أخرى في وقفة جديدة أمام مقر المحكمة الإدارية للعاصمة. 27 ماي: الوزير الأول يعلن مساندته لوزير الاتصال، بعد تقارير بوجود وزير الاتصال في عزلة، ومالك مجمع “سيفيتال” يعلن طرح أسهم مجمع “الخبر” في بورصة الجزائر، وينفي أي طموح سياسي له. 2 جوان: مصالح الوزير الأول تمنع صحفيي “الخبر” و “الوطن” وتلفزيون “الخبر” “كي بي سي” من السفر إلى مخيمات اللاجئين الصحراويين، بغرض تغطية مراسم تشييع جنازة الرئيس الصحراوي الراحل محمد عبد العزيز، ومنظمة مراسلون بلا حدود وتجمع الصحافيين المتضامنين مع الشعب الصحراوي يدينان قرار السلطات. 5 جوان: مالك مجمع “سيفيتال” يزور “الخبر” ويلتقي الصحفيين والعمال. 8 جوان: عودة محمد دحمان القاضي الذي ترأس الجلسة الأولى، بعد 5 تأجيلات، ويحدد بعد المرافعات تاريخ 15 جوان لإصدار الحكم. وقفة مساندة جديدة بمشاركة عدد معتبر من المساندين من قادة الأحزاب السياسية وجمعيات وإعلاميين، رغم حرارة الجو والصيام.