فرضت ظروف الحياة و “الخبزة” على فئات من الجزائريين العمل في ظروف شبه مستحيلة، يعملون وهم صيام في حرارة تتعدى 48 درجة. الجنود وعناصر الدرك والشرطة يعرف كل الناس الذين يتنقلون عبر الطريق الوطني رقم 1، في شطره الرابط بين ولايتي غرداية وتمنراست، المكان المسمى حاجز عين الحجاج شمال عين صالح، وهو حاجز أمني يعمل فيه عناصر من الدرك الوطني والجيش الوطني الشعبي، وتصل درجة الحرارة في هذا المكان على الساعة 1 زوالا إلى 60 درجة حسب شهادة السائقين، ورغم أن التواجد في المكان يثير الوحشة في النفس، فإن العشرات من الشباب الجزائري عملوا في هذا المكان في الصيف وهم صيام. وتشير الأرقام المتداولة إلى ما لا يقل عن 100 ألف عنصر (درك وجيش) في الجنوب، وتفرض ظروف المواجهة مع الجماعات الإرهابية فيما وراء الحدود مع مالي والنيجر وليبيا الإبقاء على درجة الأهبة والاستعداد. يقول دركي عامل في موقع متقدم على الحدود مع ليبيا طلب عدم ذكر اسمه “نعمل ونحن صائمون، والإصبع على القرّاص (أي على الزناد) ورغم الحرارة الشديدة في المواقع المتقدمة على الحدود مع ليبيا، فإن أغلب العناصر سواء من الجيش أو الدرك يتمسكون بالصوم”. وتفرض طبيعة المهام التي يتكفل عناصر الجيش والدرك بإنجازها الوقوف لساعات طويلة تحت أشعة الشمس، وأحيانا في حواجز أمنية تحت أشعة الشمس الحارقة، ويضطرون لتبادل الحديث مع السائقين في الطريق لساعات طويلة. ويفرض الوضع الأمني المتأزم على أكثر من جبهة في الجنوب على ما لا يقل عن 100 ألف، بين عسكر وشرطة ودرك، العمل طيلة 24 ساعة لتأمين الحدود البرية في الجزائر، وتأمين مواقع أخرى، ويضطرون للصوم في درجات حرارة تتعدى 50 درجة في شهر رمضان. عمال البناء والفلاحة قدر فرع اتحاد المقاولين الجزائريين عدد عمال البناء في شهر جوان 2016 بما لا يقل عن 70 ألف موزعين على ورشات البناء والأشغال العمومية، ويضطر هؤلاء للعمل ما بين 6 و10 ساعات وهم صائمون، وفي كثير من الحالات يعملون تحت أشعة الشمس مباشرة في حرارة قياسية. ويقول دودار عبد الحميد مقاول وعضو الاتحاد الوطني للمقاولين “تعمل في الوقت الحالي في ولايات الجنوب الثمان 3200 مقاولة متعاقدة مع إدارات ووزارات، وتشغل ما لا يقل عن 70 ألف عامل بناء في مشاريع تابعة لمختلف المصالح، ويعمل هؤلاء في ظروف شديدة الصعوبة وهم صائمون”. ويضيف عبد الحميد أن عدد العمال تقلَّص منذ بداية شهر جوان الجاري من 100 ألف تقريبا إلى 70 ألف، إلا أن أغلب المشاريع مستمرة بوتيرة ضعيفة، وقد اضطرت أغلب المقاولات لتعديل ساعات العمل بمناسبة شهر رمضان. وفي هذه الظروف الصعبة يعمل ما لا يقل عن 50 ألف عامل في الفلاحة والرعي. ويقول عثماني عيسى العضو القيادي في الاتحاد الوطني للفلاحين الجزائريين من المنيعة “يوجد في الجنوب أكثر من 20 ألف مستفيد من الامتياز الفلاحي أغلبهم يعملون في الصيف وهم صائمون، كما يوجد 43 ألف صاحب مستثمرة فلاحية مختلفة، ونحو 11 ألف مربي مواشٍ وإبل، ويشغل هؤلاء ما لا يقل عن 100 ألف عامل أغلبهم يعملون صائمين”. سائقو الشاحنات وحافلات المسافات الطويلة يعملون على مدار الساعة وتتضاعف معاناتهم بسبب اضطرارهم للسهر مع الصوم في ظروف مناخية شديدة الصعوبة، وبالرغم من أن الحافلات والشاحنات مجهزة اليوم بمكيفات الهواء، فإن السائق يقابل الشمس الحارقة 6 إلى 10 ساعات في اليوم وهو صائم. ويقول عضو الاتحاد الوطني للناقلين منصوري رشيد “يعمل في خطوط النقل بين الجنوب والشمال ما لا يقل عن 10 آلاف سائق حافلة وشاحنة، ينقلون يوميا المسافرين والبضائع والوقود، وحتى المواشي. ويعد السائقون شريان الحياة الاقتصادية والاجتماعية في الجزائر”. ويضيف منصوري “تتفاقم معاناة الناقلين في رمضان بسبب السهر الطويل والتعب، ورغم أن فتاوى جواز إفطار المسافر تسمح لهم بالإفطار، إلا أن الغالبية العظمى من الناقلين يصومون، وفي كثير من الحالات يفطرون على ما تيسر وسط الطريق أو بمطاعم الرحمة إذا أسعفهم الحال وتزامن موعد الآذان مع مرورهم بمطاعم الإفطار المفتوحة أمام عابري السبيل، لكن في أغلب الحالات يضطر السائق لإعداد طبق إفطاره بنفسه في الصحراء”. عمال شركات النفط وبالرغم من تسابق الجزائريين للظفر بمنصب شغل في شركة نفط بالجنوب بسبب الأجور الكبيرة في هذه الشركات، فإن ظروف العمل هنا شديدة القسوة، خاصة بالنسبة للورشات الخارجية، في الحفارات، وتكمن المشكلة، كما يقول بن عين علي عامل في شركة خدمات الآبار في سوناطراك، في أن العامل مفروض عليه ارتداء ملابس الأمن الصناعي الثقيلة أثناء العمل في الحفارات، ويضطر للوقوف تحت الشمس لعدة ساعات، وبالرغم من هذا تجد غالبية العمال متمسكين بالصوم، ويلجئون للاستحمام بالماء المثلج من أجل مقاومة العطش الشديد. وقال خطوي محمد متقاعد من اللجنة التنفيذية لفدرالية عمال شركة سوناطراك “يوجد أكثر من 70 ألف عامل في مختلف مواقع شركات النفط، ويرفض أغلب العمال العمل برخصة الإفطار”.