اختارت الجزائر الفيلمين الروائيين الطويلين “البئر” للمخرج لطفي بوشوشي، إنتاج 2014 و”الطريق إلى إسطنبول” للمخرج رشيد بوشارب 2015، ليكون أحدهما ممثلا عن الجزائر في مسابقة الأوسكار لأحسن فيلم أجنبي. بتوقيع رئيس لجنة اختيار الأفلام الجزائرية المشاركة في الأوسكار، المخرج الكبير لخضر حامينا، وذلك بصفته المخرج الجزائري الحائز على جوائز عالمية “السعفة الذهبية” بمهرجان “كان”. استقر ترشيح اللجنة الجزائرية على فيلم “البئر” أو ”الطريق إلى اسطنبول”، في انتظار آن يتم الاختيار النهائي هذا الأسبوع٫. فيما لا تزال كل الدول تجتهد في عملية اختيار الأفلام واقتراحها على أكاديمية العلوم والفنون الأمريكية، هذه الأخيرة التي تملك وحدها الحق في تحديد القوائم الأولية المشاركة بشكل رسمي، وسيتم الإعلان عن المرشحين رسميا في مسابقة الأوسكار ال89 في 24 جانفي 2017، بينما سيقام حفل توزيع الجوائر في 26 فيفري القادم. تختلف قصة كل فيلم جزائري عن الآخر، فيلم “البئر” يعود إلى نضال الشعب الجزائري ضد الاستعمار، ويتبنى فكرة أن “البطل الواحد هو الشعب”، كما يخص المرأة الجزائرية التي كان لها حضورا قويا في الثورة بالتحية، ويحكي قصة قرية يحاصرها المستعمر ويمنعهم من التحرك حتى باتجاه بئر الماء الوحيد الذي يؤمّن لسكان تلك القرية الحياة، بينما يلتفت فيلم “الطريق إلى اسطنبول” للمخرج رشيد بوشارب، اتجاه الحرب في سوريا ويتأمل مشاعر الأمهات اللواتي يجدن أنفسهن رهن آلام الحزن على فراق أبنائهن، الذين يقرّرون الالتحاق بتنظيم ما يعرف بالدولة الإسلامية بالعراق والشام “داعش”. الفيلم الذي عرف الطريق إلى بانوراما الأفلام في دورة مهرجان برلين الأخيرة، لم يحز على جائزة واحدة حتى الآن، سوى جائزة أحسن سيناريو التي منحها إياه مهرجان خريبڤة بالمغرب. بينما خرج رشيد بوشارب بخفي حنين من مهرجان وهران، ولاحقته تصريحات الكاتب الجزائري ياسمينة خضرا الذي شارك في كتابة السيناريو ولكنه عبّر في النهاية عن “عدم رضاه عن طريقة تعامل بوشارب مع الفيلم والقصة”. الاختيار صعب يتحدث عضو لجنة اختيار الأفلام للأوسكار، الناقد البروفيسور أحمد بجاوي، عن أسباب غياب الأفلام الجزائرية، عن مسابقة الأوسكار لسنوات طويلة، وعدم تحقيقها لأي من الجوائز العالمية الكبرى، حيث تتوقف إنجازات الجزائر عند “السعفة الذهبية” التي عمرها اليوم أربعون عاما وجائزة الأوسكار التي حازت عليها بصفتها منتجة لفيلم “زاد” للمخرج صديق الجزائر كوستا غافراس. ويقول في تصريح ل«الخبر”: “إن شروط المشاركة جد معقدة وغالبا ما تفتقر إليها الأفلام الجزائرية”، ويضيف: “تتطلب المشاركة لمسابقة الأوسكار حصة الأفلام الناطقة بلغة أجنبية (غير الإنجليزية) بعض الشروط، من بعضها المشاركة في مهرجان متميز مثل “كان” وفي مهرجان أمريكي”، بالإضافة إلى هذا، الشرط الذي تفتقر إليه كل الأفلام الجزائرية عدا واحد أو اثنين، فإن الأوسكار تهتم بتوزيع الفيلم في الولاياتالمتحدة، كما يقول أحمد بجاوي: “الأوسكار تشترط الحصول على موزع أمريكي يلتزم بتوزيع الفيلم المرشح في نيويورك ولوس أنجلس قبل انطلاق المسابقة” وهي شروط يقول عنها البروفيسور”أقلّ ما يمكن القول إنها صعبة ومكلفة!!”. وقد سبق للفيلمين المشاركة في المسابقة الرسمية لمهرجان وهران الدولي للفيلم العربي، وعكس التوقعات لم يخرج رشيد بوشارب بأي جائزة، بل إن الآراء لم تصب في صالح المخرج الذي في رصيده عدة أعمال سينمائية هامة، بينما كانت المفاجأة السنة الماضية وهذه السنة مع المخرج لطفي بوشوشي الذي عرف مع “البئر” كيف يحفظ ماء وجه الإنتاج السينمائي الجزائري في السنوات الأخيرة، بعد أن جفّ حلق المخرجين الجزائريين في انتظار جائزة هامة عامي 2015 و2016، وكان آخر تتويج حاز عليه فيلم “البئر” جائزة أحسن إخراج في مسابقة الأفلام الطويلة لمهرجان وهران التي ترأس لجنة تحكيمها المخرج السوري الكبير محمد ملص. العرب يبحثون عن “بوشارب” جديد على المستوى العربي، فإن مشاركة الجزائر تعتبر الوحيدة التي صنعت الحدث بقوة في مسابقة الأوسكار، خصوصا ستينيات القرن الماضي، أين رفع مستوى السينما الجزائرية إلى أعلى، وعندنا غابت الأفلام العربية في المهرجانات الكبرى، كانت الجزائر قادرة على الوصول إلى الأوسكار مجددا سنة 2011 مع فيلم “الخارجون عن القانون” للمخرج رشيد بوشارب، الذي يعتبر أكبر مخرج عربي وصل رسميا إلى ترشيحات الأوسكار بمعدل ثلاثة أفلام “غبار الحياة” 1995، “بلديون 2006” و”الخارجون عن القانون”. وتجتهد الدول العربية كل سنة في اختيار الأفلام، فهذه السنة رفعت مصر قائمة بثلاثين عنوانا، يبدو أنها أعدّت بشكل خاص يحمل الكثير من المغازلات للمخرجين، حيث في القائمة المصرية المذكورة اجتهادات داخلية سلطت الضوء على تجارب مختلفة، منها فيلم “باب الوداع” للمخرج كريم حنفى، و”اشتباك” للمخرج محمد دياب، و«قدرات غير عادية” للمخرج داوود عبد السيد، “هيبتا” للمخرج هادي الباجورى، “نوارة” للمخرجة هالة خلي، و”قبل زحمة الصيف” للمخرج الراحل محمد خان، بينما تعود المملكة العربية السعودية للمرة الثانية إلى الرهان على الجيل الجديد من السينما السعودية، وذلك بترشيح فيلم “بركة يقبل بركة” للمخرج محمود الصباغ، وكل دولة عربية لديها رؤية محلية، يرافقها صخب إعلامي وكثير من مشاعر “الغيرة” التي تحوم حول الأسماء التي ترشحها اللجان المحلية، إلا بعض الاجتهادات التي تظل رمزية ولا تعكس بالضرورة جودة الأفلام المذكورة وعالميتها، فبعض الدول العربية تكون مضطرة إلى ملء الاستمارة وإرسالها لأكاديمية العلوم والفنون الأمريكية التي لها الحق في النهاية بأعضائها البالغ عددهم حوالي 7 آلاف عضو عبر العالم، في اختيار القائمة الأولية للأفلام التي تشمل 73 فيلما، ثم القائمة ما قبل الأخيرة، والتي تشمل خمسة أفلام مرشحة رسميا، يختار منها المتوج بالأوسكار.