شكّك الأستاذ خالد النجار، رئيس وكالة أنباء الروهنغيا، في الرواية الرسمية لحكومة ميانمار حول تصريحها بأنّ مسلحين روهنغيين هاجموا عددًا من مواقع عسكرية، ما أسفر عن مقتل عدد من الجنود. وأكّد في حوار خصّ به "الخبر" أنّ رواية الإعلام البورمي الّتي تناقلتها وسائل الإعلام العالمية لم تبث صور مواقع الهجوم المشار إليه ولا صور القتلى، داعيًا المجتمع الدولي للضغط على الحكومة البورمية لإرجاع كافة الحقوق المسلوبة من الروهنغيا من مواطنة وحقوق سياسية واقتصادية واجتماعية. حدّثنا بشيء من التفصيل عن الوضع العام للمسلمين في ميانمار؟ هناك فرق بين أوضاع المسلمين الروهنغيين في إقليم أراكان وبين أوضاع المسلمين عمومًا في مناطق أخرى في ميانمار (بورما سابقًا)، فإن إقليم أراكان يعتبر سجنًا كبيرًا ليس فيه أدنى مقومات الحياة، والمسلمون فيه محرومون من كلّ شيء، حقوقهم الإنسانية والسياسية والاجتماعية. أمّا المسلمون في رينغون وفي مناطق أخرى فوضعهم مستقر، إلاّ أنّ الاضطهاد البوذي بدأ يصلهم في السنوات الأخيرة.
منذ متى يعيش مسلمو أراكان تحت وطأة هذه الممارسات العنصرية؟ إنّ الروهنغيين المسلمين في أراكان بدأت معاناتهم منذ عام 1784م عندما احتل الملك البوذي بودابايا مملكة أراكان، وزادت مأساتهم في عام 1962م عندما تسلّم الجيشُ حكمَ البلاد، ثم بدأت فصول أخرى من المعاناة والتشريد والتهجير والتطهير والإبادة الجماعية عندما قرّرت الحكومة البورمية عام 1982م سحب الهوية الوطنية من الروهنغيا، واعتبرتهم عديمي الجنسية غير مواطنين.
وما أسباب هذا العنف المفرط من البوذيين تجاه المسلمين في بورما بالذات؟ دولة بورما دولة بوذية يريدون أن يجعلوها قبلة البوذيين، وفيها رهبان وحركات متطرفة لهم نفوذ وسلطة داخل الحكومة البورمية، وإقليم أراكان غالبية سكانه روهنغيون مسلمون، وقد كانت أراكان في السابق مملكة مسلمة حكمها المسلمون قرابة 3 قرون ونصف، من عام 1430م إلى 1784م كما ذكر المؤرخون، ما جعل البوذيين المتطرفين يخافون من عودة الإسلام في أراكان وانتشاره وبسط نفوذ المسلمين فيه مرّة أخرى، فمن أجل هذا وضعت الحكومة البورمية بالتعاون مع الرهبان البوذيين المتطرفين خطة شاملة تهدف إلى إبادة الروهنغيا وتهجيرهم إلى الدول المجاورة وتشريدهم وتجويعهم، {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}.
هل يمكن إفادتنا بآخر إحصائية حول حملة الإعدامات الّتي تمارسها السلطات الرسمية في ميانمار؟ ذكر المجلس الروهنغي الأوروبي في بيان له أنّ عدد القتلى وصل إلى أكثر من 3 آلاف. وأعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ارتفاع عدد مسلمي الروهنغيا الفارين من هجمات الجيش الميانماري والمتطرفين البوذيين إلى بنغلاديش إلى 73 ألف شخص. وتمّ حرق أكثر من 2600 منزل. وقال فيل روبرتسون نائب مدير قسم آسيا في "هيومن رايتس ووتش" "تبيّن الصور الجديدة للأقمار الصناعية حجم الدمار الشامل لقرية مسلمة وتثير مخاوف خطيرة بأن مستوى الدمار في شمال ولاية راخين (أراكان) ربما يكون أسوأ بكثير مما كان يُعتقد في بادئ الأمر". وما زال عشرات الآلاف مشردين داخل أراكان ممن تركوا قراهم ومنازلهم يبحثون عن مكان آمن فرارًا من قتل الجيش البورمي.
هناك ادعاءات من السلطات البورمية بوجود حركة مسلحة في أراكان. ما حقيقة ذلك؟ في الحقيقة منعتْ حكومة بورما الروهنغيين منذ عقود من حمل أيّ سلاح، بل حرّمت امتلاك السكاكين والسواطير داخل البيوت، وبين فترة وأخرى يقوم الجيش بتفتيش المنازل للتأكد من خلوّها من أيّ آلة حادة قد يستخدمها الروهنغي في الدفاع عن نفسه أثناء الحملات العسكرية الممنهجة، فصار الشعب الروهنغي شعبًا أعزل لا يملك من الأمر شيئًا، ما جعل الجيش البورمي من وقت لآخر يفعل ما يشاء من قتل وحرق واغتصاب وتشريد وتهجير، فسبّب ذلك الظلم الّذي لا يطاق والقسوة الّتي يصعب تصوّرها انفجار الشعب الروهنغي، فدافعوا عن أنفسهم بما يملكون من العصا وغيرها.
وهل هناك حركة مقاومة مسلحة؟ في 25 أوت الماضي أعلنت الحكومة البورمية عبر وسائلها الإعلامية أن مسلحين روهنغيين هاجموا عددًا من مواقع عسكرية، ما أسفر عن مقتل عدد من الجنود. فهذه رواية الإعلام البورمي وتناقلتها وسائل الإعلام العالمية، ونحن الروهنغيا لم نشاهد إلى الآن صور مواقع الهجوم المشار إليه ولا صور القتلى. وإن صحّت هذه الرواية فما ذنب المدنيين الأبرياء العزل؟
هل تعتقد أن حملة الإبادة الممنهجة ضدّ الأقلية المسلمة في أراكان رغم الإدانات الدولية في طريقها إلى الحل؟ هناك إدانات واستنكار من بعض الدول، وتصريحات طيّبة من بعض رؤساء الدول يشكرون عليها، ووعود من البعض الآخر لحلّ أزمة الروهنغيا، وهذا مؤشر جيّد، ولكن ما يتمنّاه الروهنغيون في داخل أراكان وخارجها أن يروا ذلك على أرض الواقع متمثّلا في إرسال قوات حفظ السلام لحماية الروهنغيا، وتكوين لجنة من المجتمع الدولي لتنفيذ توصيات لجان تقصي الحقائق التي عملت في الفترة الماضية، والضغط على الحكومة البورمية لإرجاع كافة الحقوق المسلوبة من الروهنغيا من مواطنة وحقوق سياسية واقتصادية واجتماعية.
بماذا تفسّرون أن الحائزة على جائزة نوبل للسّلام هي التي تشرف على عملية الإبادة والتطهير ضدّ مسلمي ميانمار؟ أون سان سوتشي تحاول أن تتجاهل ما يحصل للروهنغيا من مجازر وحشية وإبادة جماعية، بل أنكرت ذلك في بعض تصريحاتها، وذلك حفاظًا على مصالحها السياسية مع الرهبان والحركات البوذية المتطرفة التي لها نفوذ وسلطة في الحكومة، وهذا يتناقض مع ما كانت تدعو إليه من الديمقراطية وحقوق الإنسان من قبل أن تصل إلى السلطة، ويتعارض مع كفاحها والشعارات التي رفعتها لسنوات طويلة.
وما تفسيركم للصّمت الدولي عدَا الموقف الإيراني والتركي؟ هناك مواقف مشرّفة تجاه القضية الروهنغية وجهود متواصلة وسعي حثيث للوصول إلى حلّ الأزمة من عدّة دول، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية وتركيا وماليزيا وإندونيسيا وقطر وبنغلاديش، والمجتمع الدولي في يده أوراق كثيرة يستطيع من خلالها الضغط على حكومة بورما لإنهاء الأزمة. وإلى حد كتابة هذه السطور لم نر تحرّكًا حقيقيًا من المجتمع الدولي، فنأمل أن يتحرّك قبل فوت الأوان، لأن الروهنغيين يبادون عن بكرة أبيهم، وإلاّ ستظلّ القضية الروهنغية وصمة عار في جبين المجتمع الدولي الذي يعتبر راعيًا لحقوق الإنسان وداعيًا إلى الديمقراطية والعدل.