في سابقة أثارت جدلا واسعا داخل أروقة المجلس الشعبي الوطني، أطلق وزير العلاقات مع البرلمان، الطاهر خاوة، النار على رئاسة المجلس وأعضاء مكتبه، بتوجيه انتقادات في شكل "اتهامات" بالتسبب في تأخير وتعطيل وصول أسئلة النواب إلى الحكومة للإجابة عنها في الآجال القانونية. جاء هذا الاتهام على لسان الوزير خاوة، الخميس الماضي، بمناسبة جلسة الرد على أسئلة لعدد من النواب، حيث قال إن الحكومة لا تتحمل أي مسؤولية في تأخر نزول ردود القطاعات الوزارية محل مساءلة النواب، مشيرا بإصبعه إلى مكتب المجلس الشعبي الوطني بالوقوف وراء ذلك. ومن المعروف أن العلاقة بين الحكومة (السلطة التنفيذية) والبرلمان الذي يعتبر واجهة السلطة التشريعية محكومة بمبدأ الفصل بين السلطات، فضلا عن أن هذا الحكم الدستوري جاء مدعوما بمهام البرلمان الذي تتمثل صلاحياته في ممارسة الرقابة على أداء الحكومة والتشريع ونقل انشغالات المواطنين للجهاز التنفيذي. وفي اتصال معه، أبدى رئيس الكتلة البرلمانية لحزب التجمع الوطني الديمقراطي (الأرندي)، بلعباس بلعباس، استغرابه من التصريحات المنسوبة إلى الوزير خاوة، مقدرا بأنها لا تنسجم مع العلاقة القائمة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. وأوضح بلعباس ل"الخبر" مستغربا: "أتساءل، هل فعلا قال وزير العلاقات مع البرلمان مثل هذا الكلام؟". وتابع: "لا يمكن لمكتب المجلس الشعبي الوطني ولا لرئيسه عرقلة عمل والسير الحسن للسلطة التشريعية، خاصة أن رئيس المجلس السيد السعيد بوحجة هو مجاهد وديمقراطي ومنفتح على كل الأطياف السياسية في البرلمان، سواء المعارضة أو الأغلبية البرلمانية (الموالاة)". وذكر بلعباس أن "مكتب المجلس مكوّن من تشكيلات وحساسيات سياسية، وأستغرب كيف يعمل نواب على عرقلة زملائهم النواب، ولا أتصور على الإطلاق أن يقبل رئيس المجلس الانخراط في مثل هذه الممارسات التي لا تنطبق على شخصية سياسية مثل السعيد بوحجة". وقد اشتعلت أروقة المجلس على وقع هذه التصريحات التي سعى الكثير من النواب، أمس، للتأكد من صحتها من الوزير طاهر خاوة شخصيا، مقدرين بأن مثل هذا الكلام لا يعقل صدوره عن مسؤول حكومي مهمته الحفاظ على علاقة هادئة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. في السياق نفسه، لا يستغرب رئيس الكتلة البرلمانية لحركة مجتمع السلم (حمس)، ناصر حمدادوش، صدور مثل هذه "الاتهامات" من الوزير خاوة، وقال في تصريح ل"الخبر" إنها تحمل "جزءا من الحقيقة". وأشار حمدادوش إلى تسجيل عدة تأخيرات في الرد على أسئلة النواب الشفوية والكتابية في العهدة البرلمانية السابقة، محملا مكتب المجلس ذلك، معتبرا إياه "خرقا لأحكام الدستور". وذكر أن الكثير من الوزراء كانوا ولايزالون يتهربون من أسئلة النواب ويتم ترتيب ذلك التهرب مع أعضاء المكتب خلال العهدة السابقة، حيث لم تكن المعارضة ممثلة فيه. يشار إلى أن تشكيلة المكتب الحالي تضم نوابا عن "حمس" المعارضة، والأحرار، وحزبي الموالاة الأفالان والأرندي. وبرأي حمدادوش، فإن ما يعطل رفع أو إحالة الأسئلة الشفوية والكتابية على الحكومة من طرف المكتب الحالي للمجلس، هو الطريقة التي تحسب بها المدة القانونية المحددة بشهر واحد، حيث يعتمد المكتب على احتساب المهلة من بداية تبليغ السؤال إلى الحكومة، فيما يطالب النواب في المعارضة بالأخذ في الحسبان تاريخ إيداع الأسئلة على مستوى المكتب. كما يرجع النائب ذاته سبب تأخر ردود الحكومة على استفسارات وأسئلة النواب إلى الترتيبات المتعلقة بجلسات الإجابة من طرف الحكومة والتي تتدخل فيها إدارة التلفزيون التي تضمن البث المباشر للجلسات، ومبدأ التناوب بين المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة على جلسات نصف شهرية، إضافة إلى عدد الأسئلة التي تعد بالعشرات ولا يمكن الوفاء بالردود عليها في المهلة القانونية وهي 30 يوما، خاصة إذا علم بأن جلسة الردود العلنية تستمر 3 ساعات فقط ولا تستوعب أكثر من 12 أو 13 سؤالا شفويا. وبالنظر إلى استغراب بلعباس وتبريرات حمدادوش الموضوعية للتأخيرات، يبرز رأي ثالث يقول باستهداف شخص السعيد بوحجة من طرف جناح في الأفالان يسعى إلى تقويض صلاحياته، خاصة بعد أن فشل بوحجة في استبدال الأمين العام الحالي، وتعيين ثلاثة إطارات سامية جديدة ضمن فريق ديوانه، قبل أن يزيد استقبال بوحجة لوفد عن نقابة الأطباء المقيمين من متاعبه التي حدت من هامش إمساكه بزمام المبادرة داخل الغرفة البرلمانية الأولى لصالح رئيس الكتلة البرلمانية للأفالان، سعيد لخضاري، ورئيس لجنة الشؤون الخارجية، عبد الحميد سي عفيف، بداعي قرب الأول من الأمين العام جمال ولد عباس والثاني من المحيط الرئاسي!