تلقت الرباط ضربة موجعة رغم محاولات المناورة، بعد قرار شركة الطيران الفرنسية الخاصة ”ترانسافيا” توقيف رحلاتها بين باريس الفرنسية والداخلة المحتلة. ويأتي القرار في أعقاب تحرك صحراوي ومكسب جديد يضاف إلى قرار محكمة العدل الأوروبية، التي استثنت المياه الإقليمية والساحل الصحراوي من اتفاق الصيد الأوروبي المغربي. قامت الجمهورية الصحراوية برفع دعوى قضائية ضدّ شركة الطيران ”ترانسافيا” لدى المحكمة في مدينة كريتاي الفرنسية، على خلفية تدشينها خط رحلات جديد يربط باريس بمدينة الداخلة المحتلة، وتسعى الرباط من خلال مثل هذه النشاطات إلى تكريس أمر واقع لشرعنة احتلال الأراضي الصحراوية، بإقحام شركات غربية تقوم بإعطاء الانطباع بوجود سيادة مغربية على الأراضي المحتلة، رغم القرارات الدولية المختلفة التي تقر بأن هذه الأراضي محل نزاع بداية بقرار محكمة العدل الدولية لسنة 1975. وتعد ”ترانسافيا” شركة طيران، منخفضة التكلفة، تابعة لشركة الخطوط الجوية الفرنسية، وهو ما يعكس توجّها فرنسيا منحازا للسياسات المغربية، وتم تنظيم أول رحلة في أكتوبر من السنة الماضية، على أساس تنظيم رحلات دورية سياحية، بعد اتفاق موقع بين شركة الطيران الفرنسية، وما يعرف بالمكتب الوطني المغربي للسياحة. إلا أن مثل هذه الخطوة وكغيرها من الخطوات التي تقوم بها لاستغلال الثروات الصحراوية الساحلية والمنجمية، تناقض القرارات والتوصيات التي صدرت عن عدة هيئات دولية وإقليمية، منها الأممالمتحدة والاتحاد الإفريقي. ومن هذا المنطلق، فقد تحركت الجمهورية الصحراوية كون المجال الجوي، على غرار الساحل الصحراوي، ينطبق عليهم نفس الوضع القانوني الذي لا يحق لقوة محتلة التصرف فيه وفرض أمر واقع. واستندت الجمهورية الصحراوية في مسعاها القضائي على خرق الالتزامات والتعهدات الأوروبية، لاسيما قرارات محكمة العدل الدولية، منها تلك التي صدرت في 21 ديسمبر 2016، والذي يؤكد على منع نشاطات اقتصادية على الأراضي الصحراوية دون موافقة شعب الإقليم، أي الشعب الصحراوي. وليست المرة الأولى التي تلجأ الجمهورية الصحراوية إلى القضاء لوضع حد لنهب الثروات الصحراوية أو استغلال خيراتها وترابها. وينطبق المجال الجوي الصحراوي على ذلك أيضا. ففي جانفي 2017 اضطرت الشركة البلجيكية الأوروبية للنقل الدولي البحري للحاويات ”سي أم سي جي أم”، إلى تجميد نشاطها بإقليم الصحراء الغربية، وقامت بإلغاء جميع رحلاتها المبرمجة مسبقا من وإلى مدينة الداخلة المحتلة، حيث أبلغت الشركة زبانئها الذين كانوا بصدد استلام حاوياتهم بمدينة الداخلة المحتلة في مستهل فيفري 2018 بإلغاء هذه المواعيد، على أن يتم شحن حاوياتهم إلى مدينة أغادير المغربية. وقبلها تم توقيف السفينة النرويجية المحمّلة بشحنة زيت السمك بميناء لاس بالماس الإسباني، والذي جاء كثمرة جديدة من ثمار المكسب الذي جسده قرار محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي بحكمها الصادر في 21 ديسمبر 2016، والتي أكدت فيه التزامها بقرارات الأممالمتحدة، مع مراعاتها للوضع المنفصل والمميز للصحراء الغربية، وهو ما تعترف به الأممالمتحدة، حيث أشارت المحكمة إلى أن اتفاقية الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي المبرمة سنة 2000، والتي تؤطر العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، لا تعني الصحراء الغربية، لأن هذه الأخيرة لا تقع ضمن الحدود المعترف بها دوليا للمغرب، كما نص القرار على أن الصحراء الغربية إقليم محتل ينتظر تصفية الاستعمار طبقا لقرارات الأممالمتحدة، وأن جبهة البوليساريو الممثل الشرعي الوحيد للشعب الصحراوي باعتراف الأممالمتحدة. مناورة مغربية فاشلة أمام توالي الانتكاسات المغربية، سعى الرباط إلى المناورة عبر الإيحاء بأن قرار توقيف نشاط شركة الطيران ”ترانسافيا” غير مرتبط بالدعوى القضائية ولا بتحرك الجمهورية الصحراوية، بقدر ما يتعلق بالتزام تعاقدي انقضى في فصل الشتاء، ويرتقب أن يتم التفاوض مجددا على تجديده الشتاء المقبل، بينما تكشف تتابع قرارات تعليق وتوقيف نشاط الشركات، كما حصل أيضا بالنسبة لعدد من الشركات البترولية التي حاول الرباط استقطابها للاستكشاف، ثم انسحبت أيضا، بأن الأمر يتعلق بضغوط وبقرارات تلزم الشركات على مراجعة سلوكها الذي يتنافى والأعراف والقوانين الدولية ولا يحجب واقع إقليم تحت الاحتلال، ناهيك عن الكلفة أيضا المرتفعة، مع مراعاة وضع المنطقة والذي يجعل الشركات تعيد حساباتها من جديد.