ها قد شارف شهر رمضان المبارك على الرّحيل، ولم يبق إلاّ ثلثه الأخير، وما تبقّى من ليال أفضل ممّا مضى، وفيه ليلة خير من ألف شهر، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “إِنَّ هَذَا الشَّهْرَ قَدْ حَضَرَكُمْ وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَلَا يُحْرَمُ خَيْرَهَا إِلَّا مَحْرُومٌ”، رواه ابن ماجه عن أنس بن مالك، ولهذا كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم “إذا دخل العشر شَدَّ مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله”، متفق عليه من حديث عائشة، وفي رواية مسلم: “كان يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره”. للعشر الأواخر من رمضان عند رسول الله صلّى الله علية وسلّم وأصحابه رضوان الله عليهم أهمية خاصة ولهم فيها هدى خاص، فقد كانوا أشدّ ما يكونون حرصاً فيها على الطّاعة والعبادة والقيام والذِّكر، ومن أهمّ الأعمال الّتي كان يحرص عليها الأوّلون وينبغي علينا الإقتداء بهم في ذلك: إحياء الليل: ثبت في الصّحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن “النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان إذا دخل العشر أحيَا الليل وأيقظ أهله وشدّ مئزر”. الاعتكاف: روى البخاري أنّه “عليه الصّلاة والسّلام اعتكف في العام الّذي قبض فيه عشرين يومًا”. قال الإمام الزُّهْري رحمة الله: عجباً للمسلمين؛ تركوا الاعتكاف مع أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ما تركه منذ قدم المدينة حتّى قبضه الله عزّ وجلّ. تنويع العبادة: ورد أن النّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان يجتهد فيها أكثر ممّا يجتهد في غيرِهِا، وهذا شاملٌ للاجتهاد في جميع أنواع العبادات من صلاة وقرآن وذِكْر وصدقة وغيرها، ولأنَّ النّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم كان يُحْيي ليلَه بالقيامِ والقراءةِ والذِّكرِ بقلبه ولسانِه وجوارِحِه لِشَرفِ هذه اللّيالِي وطلباً لليلةِ الْقَدْرِ الّتي مَنْ قامها إيمانًا واحتسابًا غَفَرَ اللهُ له ما تقدّمَ من ذنبه. إيقاظ الأهل: كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لا يترك أحداً من أهله يستطيع القيام للعبادة والسّهر للإحياء والقوّة على ذلك إلّا أيقظه، ففي المسند عن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يخلط العشرين بصلاة ونوم فإذا كان العشر شمَّر وشدّ المئزر فيسهر ليله، ويطوي فراشه ويودّع النّوم (وإن كان النّوم في جميع ليالي عمره قليلاً) ويُلزم من يطيق من أهله ذلك معه”. الإكثار من الدّعاء: لأنّها ليالي بِرّ وخير وإحسان، قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: “للصّائم دعوة عند فطره لا تُرَدّ”. الابتعاد عن التّنازع والخصام: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “خرجتُ لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان فرُفِعَت” رواه البخاري. كثرة تلاوة القرآن: إن كُنتَ تختمه كلّ أسبوع مرّة في الأيّام العشرين الأولى من رمضان، فاختمه كلّ ثلاث ليال في العشر الأخيرة من رمضان، وإن كنت تختمه كلّ ثلاثة أيّام فاختمه في العشر الأخيرة في كلّ ليلة مرّة. الاغتسال ولبس الجديد من الثّياب: يُروى عن السّلف أنّهم كانوا إذا دخلت اللّيالي العشر اغتسلوا في كلّ ليلة، وخصُّوا اللّيالي الوترية بثياب جديدة. وذكر ابن جرير رحمه الله: “أنّ كثيرًا من السّلف الصّالح كانوا يغتسلون في كلّ ليلة من ليالي العشر، كان يفعل ذلك أيوب السختياني، وكان يفعله الإمام مالك فيما يُرجّح عنده أنّه من ليالي القدر، فيغتسل ويتطيّب ويلبس حُلّة لا يلبسها إلى العام القادم من شهر رمضان، وكان غيرهم يفعل مثل ذلك”.