حكاية إلقاء القبض على من وصفوا بمجرمي الفايسبوك والزج بهم في السجن تشبه في غرابتها حكاية إلقاء القبض على الجنرالات الخمسة وعقيد “الدياراس” بتهمة الفساد! العدالة “شافت” بعين واحدة الجنرالات السراق ولم تر من ساعدهم من المدنيين على الفساد والسرقة؟! لا أحد في العدالة تساءل: من مكن “جنرالات الفساد” هؤلاء من المال العام الذي أخذوه؟ تماما مثلما يتساءل الرأي العام نفسه عمن مكن هؤلاء “المجرمين” الفايسبوكيين من الأموال التي جمعوها من “الشنطجة”؟ لا توجد لا إرادة ولا شجاعة لدى المحققين أو العدالة في ملاحقة وعقاب كل المفسدين، إنما هناك كيل بمكيالين في ملاحقة من يراد ملاحقته والسكوت عمن يراد السكوت عنه، لأن الأمر فيه سياسة مسوسة وتصفية حسابات بين مفسدين بواسطة مفسدين، وليس هناك أبدا النية في محاربة الفساد من جذوره.. كل الناس يعرفون أن رجال المال والسياسة النافذين في السلطة هم من وظف هؤلاء الشباب في الفايسبوك في قصف بعضهم بعضا بملفات الفساد، في سياق تصفية الحسابات بين الزمر الفسادية في المال الفاسد، وبعض رجال السلطة الفاسدين في مجال المعركة بين هؤلاء على المغانم والمنافع واقتسام السلطة والمال.. فأغلب المعلومات التي سربت إلى هؤلاء الشباب في مواقع التواصل الاجتماعي هي ملفات حقيقية سربها نافذون من رجال المال والسلطة إلى هؤلاء في إطار الصراع بينهم على المنافع، وفي بعض الأحيان توظف أسماء الشباب فقط لنشر هذه المعلومات مقابل دفع مبالغ مالية لهم، تماما مثلما كانت توظف أسماء هؤلاء في فساد التجارة الخارجية! لهذا لاحظنا أن العدالة والصحافة “المشنطجة” تذكران من قام بالشنطجة ولا تذكر المشنطج! لأن “المشنطج” ما كان ليشنطج لو لم يكن في حالة غير قانونية، وهكذا يتحول الفاعل الرئيسي للفساد إلى ضحية، ويتحول المغرر به إلى مجرم ويسجن وحده دون أن يسجن معه الفاعل الأساسي، سواء في موضوع الجنرالات أو موضوع “جرائم” الفايسبوك! في كل البلدان تقوم العدالة بمعاقبة الراشي والمرتشي في جرائم الرشوة، إلا عندنا، فتقوم العدالة بمعاقبة المرتشي ولا تعاقب الراشي، إذا كانت الرشوة قد سلمت للراشي من المال العام، في حين أن المنطق والقانون يفرضان أن يعاقب الراشي من المال العام بعقوبة أشد من المرتشي إذا ثبت ذلك بالدليل. لكن البلاد الآن تعيش حالة جديدة من التفكك في أجهزة الأمن والعدالة المكلفة بملاحقة الفساد! وبهذا تقدم لنا هذه الصور القاتمة في ملاحقة المفسدين بطريقة مضحكة تجعل الرأي العام الوطني والدولي يضحك على هذه السلطة التي تحارب الفساد الذي شجعته في دواليب الدولة بفساد أشنع! لهذا تحولت حملة ملاحقة الفساد إلى حملة لإفساد ما تبقى من سمعة الدولة في مجال سيادة العدل والقانون ودولة المؤسسات.. إنني تعبان فعلا! [email protected]