الابتزاز السياسي وغير السياسي أصبح في الجزائر مرضا اجتماعيا لا يقل خطورة عن الجريمة المنظمة وغير المنظمة والمخدرات والانحلال الأخلاقي. 1 - “الشنطجة” وصلت إلى أعلى مراحلها في الجزائر، نواب الشعب “يشنطجون” رئيسهم: “إما أن تطلق أيدينا في العبث بالمال في المجلس وإلا عزلناك من منصبك”! والسلطة “تشنطج” المعارضة، إما أن تسكتي عن التسيير بالرداءة في تولي المسؤوليات وإلا تعرضت أحزابكم إلى الملاحقة والتضييق والإبعاد من الحياة السياسية. 2 - “الشنطجة” ظهرت أعراضها الأولى بُعيد الاستقلال، حيث قال المرحوم بومدين لكبار ضباط جيش التحرير الذين خالفوه الرأي في التسيير السياسي للشأن العام: خذوا الأموال من الخزينة العامة ما شئتم وانسوا مسألة السياسة، فلا جمع بين الثروة والثورة! وهي صورة مهذبة لأول طبعة ل”الشنطجة” السياسية. 3 - بعد وفاة بومدين، ظهرت “شنطجة” أخرى أكثر بؤسا، ظهرت في عهد الشاذلي، عندما قال الشاذلي لخصومه في الحكم: بإمكانكم الذهاب إلى التقاعد من أجهزة الدولة مقابل الحفاظ على امتيازات مناصبكم، فظهر صندوق التقاعد الخاص للإطارات والذي هو رشوة في شكل “شنطجة” سياسية لهم. 4 - لكن أهم تحول ل”الشنطجة” هو ذلك الذي تم في عهد الشاذلي، حيث تحولت “الشنطجة” القانونية المهذبة إلى الابتزاز الإجرامي الذي أصبح يمارسه مسؤولون في السلطة وفي قطاعات حساسة مثل الأمن والعدالة والإعلام والإدارة، فأصبح بعض المسؤولين في الأمن وأجهزة الرقابة للدولة يصورون مسؤولين آخرين في أوضاع مشبوهة ثم تتم عملية “شنطجتهم” من طرف جهات أخرى تسرب إليهم تلك الملفات مثل رجال الإعلام ورجال العدالة وحتى بعض رجال الحكم، والتقط رجال الإعلام هذه “الشنطجة” من رجال السلطة وبدأوا يمارسونها على نطاق واسع، خاصة في الصحافة الخاصة، ووصلت حتى إلى الولايات والبلديات، حيث أصبح حتى المراسلون يمارسون هذه “الشنطجة” للولاة و”الميارة” ورؤساء الدوائر.. وفي بعض الأحيان يتم ذلك بالتواطؤ مع عناصر أمنية، واستخدمت المسألة في التربّح خارج القانون، ونما هذا الأمر خاصة في العشرية الحمراء والسوداء، حيث كان الفساد على أشده واستمر حتى بعد ذلك، ونما وأصبح الابتزاز ظاهرة عابرة حتى للمؤسسات والولايات وحدود الوطن وأصبح ظاهرة عامة، الكل “يشنطج” الكل، وأصبح ذلك ملازما لانتشار الفساد. 5 - وجاءت منصات التواصل الاجتماعي لتعطي دفعا جديدا لعملية الابتزاز و”الشنطجة”، مادامت الدولة ساكتة أو متواطئة مع هذه الظاهرة، لأنها مربوطة بانتشار الفساد، وقمعها يؤدي آليا إلى قمع الفساد، وهذا ما لا تريده السلطة، لأن الفساد أصبح بالنسبة للسلطة سياسة وخطة عمل ومشروع مجتمع، ومع الأسف انخرط في هذه “الشنطجة” أشباه الإعلاميين على نطاق واسع، وانخرط معهم أشباه الأمنيين وأشباه رجال الأعمال وأشباه المسؤولين، وأصبح الابتزاز نشاطا عاديا لا يعاقب عليه، لهذا رأينا ما رأينا من مظاهر “الشنطجة” التي يندى لها الجبين، وتتم عن غياب أبسط مظاهر دولة القانون، لأنه عندما وصل “الموس” للعظم وأصبحت الظاهرة أكبر من أن تعالج بإجراءات تتصف بمظاهر الحملة، احتمت هذه الظاهرة بالساسة والسياسيين ورجال المال الفاسد ورجال الإعلام الفاسد بظاهرة فساد الحكم وتبييض الأموال والرشوة العابرة للقارات! وأصبح الأمر له علاقة بالمؤسسات السيادية الحيوية في البلاد. [email protected]