دفع عدم انسجام مواقف المغرب تجاه قضايا المغرب العربي، خصوصا علاقاتها مع الجزائر في السنوات الأخيرة، وتضارب التصريحات التي يدلي بها ملك المغرب بالتحديد، إلى تحفظ الجزائر على ما يصفه محمد السادس ب"الحوار الصريح" الذي طرح بشأنه مبادرة "صلح" وجهها للسلطات الجزائرية في خطابه الأخير لما يسمى ب"المسيرة الخضراء". وفقا لهذه القراءة التي تتقاطع مع مواقف معلنة للجزائر منذ بداية مسار إحلال السلام في ليبيا سنة 2014، فإن مخاوف الجزائر تظل مبررة إلى أن تزول أسبابها التي يمكن إيجازها في توقف المغرب عن "ألاعيب مفضوحة" وتستهدف نسف مفاوضات السلام مع البوليساريو أيام 5 و6 و7 ديسمبر القادم في جنيف السويسرية، واحترام الأعراف التي تسير وفقها العلاقات الدولية والمرور عبر القنوات الدبلوماسية بدل استغلال مناسبة تناقض من حيث الشكل والمضمون مبادرة الأممالمتحدة لإنهاء النزاع الصحراوي. الجزائر وبعد أن استمعت إلى فحوى خطاب الملك محمد السادس، الذي جاء بمناسبة احتلال الصحراء الغربية، لم تصدر أي موقف رسمي لحد اليوم، مفضلة التزام مبدأ التريث وترقب سلوك المغرب يوم الامتحان في جنيف، بمناسبة المفاوضات مع البوليساريو ورصد مواقف حلفائه في المنطقة العربية وفرنسا بشكل خاص التي خرجت عن الصف الأوروبي والغربي عموما معلنة مباركتها لمبادرة اليد الممدوة المغربية! فهناك سوابق لم تنساها الجزائر بعد، إذ في عام 2005 كان أحمد أويحيى يستعد إلى السفر إلى المغرب على رأس وفد هام يتكون من ستة وزراء لوضع حد للخلافات وتطبيع العلاقات بشكل كامل بعدما ألغت الجزائر التأشيرة على المواطنين المغاربة لدخول الجزائر مبقية على الحدود مغلقة. غير أن الحكومة المغربية فعلت ما لم يكن متوقعا، حيث طلبت إلغاء الزيارة قبل بدئها بساعات قليلة، ببرقية لوكالة الأنباء المغربية نقلا عن مصدر دبلوماسي مغربي، دون تبرير القرار أو حتى توضيحات للجانب الجزائري! الرد الجزائري على هذا السلوك المغربي، تمثّل في تخفيض مستوى تمثيل الوفود في اللقاءات المتعددة الأطراف وتجميد تبادل الزيارات على مستويات أعلى. وتكررت المناورات المغربية في 2012 بزيارة وزير الخارجية آنذاك سعد الدين العثماني والتي كانت نتيجتها مماثلة لما سبق. واستمرت العلاقات فاترة إلى غاية شهر ماي الماضي عندما خرج وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة ب"سبق إعلامي" تمثّل في اتهام الجزائر بالتآمر مع إيران ضد الوحدة الترابية للمغرب، من خلال رعاية البوليساريو وتدريب عناصره لضرب استقرار وأمن المملكة! هذه الخرجة كان الهدف منها العودة إلى أحضان السعودية ودول الخليج وتخفيف حدة الأزمة الاقتصادية والمالية التي أتت على الأخضر واليابس عند الجار المغربي. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فمسلسل شيطنة الجزائر وموقفها الثابت إزاء القضية الصحراوية، مرشح للاستمرار لمواسم أخرى، خاصة بعد أن طرأت مستجدات تخيف الرباط أكثر مما سبق، أهمها موقف الولاياتالمتحدةالأمريكية من النزاع الصحراوي، بعد أن وصل مايك بومبيو، وهو أحد أبرز مساعدي المبعوث الأممي الأسبق وزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر، إلى منصب وزارة الخارجية. فهذا الرجل يعرف خبايا "الخبايا" في ملف المفاوضات ولعبة الاستقطاب التي مارستها الرباط مع فرنسا للإطاحة بجيمس بيكر وإبعاد مقترحات الحل القائمة على ما كان يعرف ب"الطريق الثالث"، والذي لم تتحفظ عليه وقتئذ البوليساريو ولا الجزائر ولا موريتانيا. من الأسباب التي جعلت الجزائر تتحفظ على "اليد المغربية الممدودة"، إلحاح الرباط على فتح الحدود ليكون دليلا على حسن النوايا الجزائرية، وإصرار على قبول الجزائر بالحوار المباشر حول قضية الصحراء، وهو ما تعتبره الجزائر مضيعة للوقت وهروب إلى الأمام من جانب الجار المغربي للالتفاف على قرارات الأممالمتحدة وإطالة أمد النزاع في الصحراء الذي يكرّس المعاناة لمئات الآلاف من اللاجئين الصحراويين، وأزيد من ذلك من إخوانهم في الأراضي المحتلة. ومن الأسباب أيضا، عدم "انسجام" السياسة المغربية تجاه الاتحاد المغاربي الذي قتله المغرب في 1994 بطلب تجميد هياكله من طرف الحسن الثاني، قبل أن يعلن خليفته محمد السادس وفاته ودفنه في قمة الاتحاد الإفريقي بأديس أبابا بمناسبة انضمام الرباط إليه في جانفي 2017 فكيف تبعث الروح مجددا في جسد ميت إن لم يكن هناك "نية سيئة" من جانب الجار المغربي!!