يعتبر فقهاء القانون أن الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة سيتحول إلى "رئيس فعلي" برتبة "ديكتاتور" يوم 29 أفريل، تاريخ نهاية عهدته الانتخابية، حسبما ينص عليه الدستور الجزائري ساري المفعول، ما يضع الدولة الجزائرية، وليس هو وحده، في وضع قانوني محرج وهش وعرضة لكل الإملاءات والتدخلات الخارجية. لقد بادرت مجموعة من الأكاديميين "المستقلين" المختصين في القانون الدستوري باقتراح مشروع دستور جديد ينسجم مع "المخاض" الذي تعيشه الجزائر منذ إعلان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة ترشحه لعهدة خامسة، وما تبعه مما يمكن وصفه ب"ثورة الشارع" وما حملته من مطالب الجزائريين بديمقراطية فعلية ووضع حد للحكم الفردي و"نظام العصابات". هذه المبادرة تهدف إلى وضع دستور قادر على تجاوز الأحداث ويملك الآليات الكفيلة بترسيخ نظام سياسي جديد ينسجم مع مطالب كل الجزائريين وتطلعاتهم، وذلك بتجريده من كل الشحنات الموضوعية، مثلما هو حال دستور 1996 الذي وضع لقطع الطريق أمام الإسلامويين للاستحواذ على السلطة، باستحداث مجلس الأمة الذي أوكلت له مهام "التصدي" للمجلس الشعبي الوطني في حال تمرده والشحنات "الشخصية" التي أقحمها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في كل تعديلاته للدستور للبقاء في السلطة، منها إلغاء العهدتين في تعديل 2008 ليستمر في الحكم، وغيرها من المواد الموضوعة على المقاس، ما أسس لنظام "هجين" أي "جملوكي"، كما فعل شارل دي غول في فرنسا سنة 1958 بدستوره، وهو الدستور الذي يعتبره "فقهاء القانون الدستوري الجزائريين" المرجع النموذجي لكل دساتير الجمهورية الجزائرية منذ الاستقلال. فالدستور الذي تحتاجه الجزائر يجب أن يكون "متجاوزا للظروف مهما كانت تعقيداتها"، حاملا الحلول الموضوعية. وتعمل لجنة الخبراء على غربلة الدستور الجزائري الحالي من أجل الخروج بوثيقة "مخففة" وغير "مشخصنة" حتى لا تكون على قياس أي شخصية نافذة أو "سيدة متسلطة". ومن أبرز الأفكار المطروحة إلغاء مجلس الأمة بحكم اضمحلال أسباب وجوده، وتحويل المجلس الدستوري إلى "محكمة دستورية" متشكلة من قضاة وفقهاء في القانون الدستوري، يكون مفتوحا لكل دعاوى الأشخاص، الطبيعية والاعتبارية، مع رفع كل تعقيدات التحريك السابقة والاحتفاظ بالمواد الجيدة التي حملتها كل الدساتير السابقة منذ إقرار التعددية سنة 1989. ويقترح المبادرون أيضا إحداث منصب نائب رئيس للجمهورية بصلاحيات واضحة تخفف من وطأة استحواذ رجل واحد على كل السلطات، مع إعادة الاعتبار لمنصب الوزير الأول أو رئيس الحكومة الذي هو في الواقع، حسب الدستور الحالي، "أول الوزراء وليس وزيرا أول"، فهو في الواقع منسق بين أعضاء الطاقم الحكومي فقط ولا سلطة له إطلاقا، ويجب أن يكون رئيس الحكومة أو الوزير الأول قائدا للسفينة. ويلاحظ "فقهاء القانون الدستوري" أن التسرع والارتجالية في اتخاذ القرارات الحيوية والحاسمة تؤدي حتما إلى الانسداد، وهو ما ستعيشه الجزائر بعد 28 أفريل، عندما تنقضي عهدة رئيس الجمهورية الحالي "دستوريا" ويتحول إلى رئيس فعلي، وهو ما يعطيه صفة "الدكتاتور" لأنه سيحكم خارج الدستور، وهو ما يضع البلاد برمتها في وضع حرج وفي مواجهة منظومة قانونية عالمية من المفروض أنها لا تعترف به. اللجنة تلتزم بالحياد التام في عملها "التقني" للمساهمة مع كل الجزائريين المطالبين بالتغيير والانتقال إلى دولة مؤسسات حقيقية، وقد تطرح المسودة التي تنجزها في ظرف شهر على أقصى تقدير للرأي العام والمختصين في كل مواقعهم للإثراء. هذه اللجنة التي بادر بها البروفيسور عبد الحفيظ أوسوكين، المختص في القانون الدستوري والحريات العامة بجامعة وهران 2، تؤكد أن المبادرة مفتوحة لكل الكفاءات الوطنية التي تنتظرها ورشات كبيرة وهي التنظير لمستقبل آمن من حيث استقرار المؤسسات وقواعد تسييرها.