عبر مئات الآلاف من المواطنين عبر شوارع وساحات العاصمة، أمس الجمعة، عن رفضهم القرارات التي أعلنت عنها السلطة خلال الأسبوع الجاري، وعلى رأسها تأجيل الانتخابات، بما يؤدي آليا إلى تمديد العهدة الرابعة للرئيس بوتفليقة، حيث خرجوا في مسيرات سلمية جابت كل شوارع العاصمة. الزمان: التاسعة والنصف، المكان: ساحة البريد المركزي بالجزائر الوسطى، العشرات من المواطنين يتجمهرون حاملين الأعلام الوطنية والشعارات المناهضة لتمديد العهدة الرابعة لبوتفليقة، حيث، ومثل الجمعة الثالثة، انطلق الاحتجاج مبِرا، وذلك لكون العديد من المواطنين قدموا من ولايات مجاورة، وقضوا الليلة في العاصمة. ولم تنقض الساعة منتصف النهار حتى صارت الساحة مكتظة عن آخرها، رغم منع المئات من السيارات والعشرات من الحافلات من الدخول إلى العاصمة، بما شكل اكتظاظا كبيرا على مستوى الطريق السريع خاصة تلك الرابطة بين وسط الجزائر والدار البيضاء. أما في ساحات البريد المركزي، موريس أودان، أول ماي، بئر مراد رايس، الشهداء، الساعات الثلاث، فقد كانت المظاهر في الفترة الصباحية احتفالية، كون العديد من الشباب نصبوا طاولات لبيع الأعلام الوطنية بأسعار تتراوح ما بين 300 إلى 500 دينار، فيما أقام آخرون مكبرات للصوت على مستوى شارع الإخوة بوالسعد، ميسوني سابقا، ببلدية سيدي امحمد، كما استعمل الكثير من الشباب الدراجات النارية خلال التنقل بين شوارع العاصمة. وظلت الأجواء كذلك إلى غاية الساعة الواحدة والنصف زوالا، حيث التحق بالمحتجين في الساحات مئات الآلاف من المصلين الذين أدوا صلاة الجمعة في مساجد العاصمة، إضافة إلى العائلات المكونة من نساء وأطفال وكبار في السن، بما أعطى للاحتجاج أجواء عائلية. ولم يمض زمن طويل حتى صارت جميع شوارع العاصمة مليئة بالمحتجين، خاصة في بلديات الجزائر الوسطى، القصبة، باب الوادي، سيدي امحمد، بعد أن حج إليها سكان باقي بلديات العاصمة، وتميزت مسيرات الجمعة الرابعة بتغيير الشعارات المتداولة بين المحتجين من: “لا للعهدة الخامسة”، إلى “لا للعهدة الرابعة والنصف”، وهذا بعد القرارات الصادرة عن السلطة، القاضية بتأجيل الانتخابات الرئاسية، ما يؤدي آليا إلى تمديد العهدة الرابعة، كما استغل آخرون شعارات ساخرة، وأخرى معبرة، لكنها تصب كلها في اتجاه واحد، وهو رفض وجوه النظام الحالي، من مثل “نفتخر بديمقراطية أن لا سيد لهذا الوطن وأن الشعب هو السيد، نعم لانتخاب مجلس تأسيسي سيد، لعمامرة بدوي الإبراهيمي ارحلوا، بينما حناجر الشعب تصرخ بصدق حناجر النظام تكيد بخبث، حرروا الجزائر، فقط رحيلكم يعيد لنا الابتسامة، اسمحولنا برك كي بلادنا هدي ..” وغيرها. كما شاركت في مسيرات العاصمة مختلف الفئات، وإلى جانب مطلبها الواحد برحيل النظام، فقد رفعت مطالب أخرى، على غرار فئة ذوي الاحتياجات الخاصة التي دعت إلى تشكيل حكومة لا تهمشهم، وفئة عائلات الحراڤة التي طالبت بالتحقيق في اختفاء أبنائها، وفئة عائلات مفقودي العشرية السوداء الذين طالبوا بفتح ملفهم للتعرف على مصير ذويهم، وغيرها من الفئات. كما شاركت شخصيات وطنية وسياسية في مسيرات العاصمة، على غرار شقيقة العربي بن مهيدي ظريفة، المناضلة جميلة بوحيرد، إضافة إلى شخصيات رياضية على غرار رئيس الشباب الرياضي بلوزداد السعيد عليق، وأخرى سياسية مثل المنسق الوطني لحزب الاتحاد الديمقراطي والاجتماعي كريم طابو وغيرهم. ومثل المسيرات السابقة، ملأ المتظاهرون الشوارع الكبرى في العاصمة، على غرار باب عزون، محمد بوكلة، زيغوت يوسف، مصطفى بن بلعيد، العربي بن مهيدي، العقيد عميروش، حسيبة بن بوعلي، عيسات إيدير، وغيرها، فيما اكتفت مصالح الأمن بتأطير المسيرات لكي لا تخرج عن طابعها السلمي. وفيما انتظر العديدون أن تقع حوادث عنف خلال الجمعة الرابعة، خاصة بعد القرارات التي أعلن عنها خلال الأسبوع الجاري، فإن الشباب العاصمي بدا أكثر وعيا منه في المسيرات السابقة، وهذا من خلال رفض أغلب المتظاهرين السير نحو قصر المرادية، لعلمهم المسبق بإمكانية وقوع مشادات بينهم وبين مصالح الأمن، ولكي لا يتيحوا الفرصة للشباب المندسين بأن يكرروا سيناريو الأسابيع الماضية، والذي أدى إلى وقوع خسائر مادية، رغم أنها لا تقارن بحجم سلمية المسيرة. أما بالنسبة للوصول إلى السد الأمني في شارع كريم بلقاسم، تيليملي سابقا، فإن عددا من الشبان تكفلوا بإقامة جدار للفصل بين المتظاهرين ومصالح الأمن، كما نهى آخرون أشخاصا من التهجم على مصالح الأمن بإلقاء الحجارة أو القارورات أو غيرها. ومن بين مظاهر الوعي بين الشباب العاصمي أيضا، قيام بعض الأطباء بإسعاف المتظاهرين الذين يتعرضون لبعض الحوادث البسيطة، مثل السقوط من مكان عالٍ، وهو الذي تكرر، خاصة أن الجميع يريد التقاط صور وفيديوهات تذكارية. كما تطوع شبان آخرون لتنظيف شوارع العاصمة بعد مرور المتظاهرين، وأيضا لتنظيم المرور وتسهيل حركة السير في الممرات والشوارع التي لم تقطع كلية أمام السائقين.