لم تفتح خطة الرئيس المنتهية ولايته أي "شهية" لدى الجزائريين، فالتمديد مرفوض والحكومة الجديدة مرفوع عنها القلم والندوة الوطنية تفتقد للضمانات. الطلاق بين السلطة والشعب رسم بمسيرات مليونية في الجمعة الخامسة، فمثلما أرادها المتظاهرون "سلمية" فعلى السلطة أن تستجيب لصاحب السيادة وتعيد الأمانة لشعبها بسلمية. كل الأوراق والمقترحات التي رمت بها السلطة في الساحة لوقف الحراك الشعبي لم تلق من يستمع إليها أو يتوقف عندها أو يدافع عنها حتى وسط المقربين منها، ما يعكس حجم القطيعة بين هذه السلطة والشعب الذي بلغ إلى مرحلة "لا ثقة لنا في أحد ترحلوا ڤاع "، وهي حالة غير مسبوقة تكشف أن السلطة بمختلف وجوهها أضحت سيرتها كريهة لدى الجزائريين. وتعي السلطة هذه الحقيقة لذلك تسعى لتمرير ورقة الأمر الواقع (بقاء الرئيس في منصبه خارج الدستور)، من خلال استعطاف العواصم الغربية لتزكية ورقتها للطريق، وهي الخطة التي رفضها الشعب "جملة وتفصيلا". السلطة تريد البقاء للإشراف على الندوة الوطنية وبعدها يسلم الرئيس السلطة لمن يتم انتخابه، مثلما ردد ذلك رمطان لعمامرة، نائب الوزير الأول ووزير الخارجية، في تنقلاته بين إيطاليا، موسكو وبرلين. وتكون السلطة قد روجت لكسب التأييد لمشروعها المرفوض شعبيا، أنها الوحيدة القادرة على حماية مصالح تلك الدول والحفاظ عليها مستقبلا، وقد تتضرر في حال ذهابها. ويفهم من هذا أن الرئيس لا يريد أن يرحل عند نهاية عهدته يوم 28 أفريل المقبل وسيبقى في منصبه خارج الشرعية الدستورية، رغم مطالبته بالرحيل الفوري، فقط من أجل ترتيب أوراق ما يسميه الندوة الوطنية في محاولة لإعادة لملمة أشلاء سلطة متهالكة والحيلولة دون حدوث التغيير المنشود. هذا يعني أن الرئيس لا يريد الاستقالة وتسليم المهمة إلى رئيس مجلس الأمة، ومحيطه يعمل كل شيء أيضا من أجل منع تطبيق حالة الشغور ب"المانع" الصحي، رغم أنها تمثل الخيارات الأقل تكلفة مقارنة بالذهاب للمرحلة خارج الدستور. هذه الرغبة للرئيس في البقاء في منصبه خارج الدستور رفضتها بشكل مطلق المسيرات المليونية التي رفعت شعار "ما تزيدش دقيقة يا بوتفليقة"، وهو بمثابة نزع "التفويض" الشعبي منه، لكن مع ذلك كل المؤشرات الصادرة عن الرئيس ومحيطه تسير عكس توجه سفينة الحراك الشعبي، وهو ما قد يدفع هذا الأخير إلى الذهاب إلى حلول أخرى متطرفة أو عنيفة، رغم أن الخيار السلمي للمسيرات لايزال معتمدا بقوة في كل مدن البلاد. مثلما يتحمل المجلس الدستوري مسؤولية منع العفس على الدستور، فإن المؤسسة العسكرية مسؤولة أيضا هي الأخرى عن حماية الدستور وقوانين الجمهورية، خصوصا أنها قالت على لسان قائد الأركان إنها تملك "الحلول" لهذه الوضعية، وذلك قبل أن تتعقد الوضعية أكثر وتصبح كل الحلول متجاوزة. الرهان على أفول الوهج الشعبي فشل، بعدما دخلت المسيرات شهرها الأول بازدياد الحشد فيها من جمعة لآخر، والرهان على دعم الخارج لن يجدي نفعا مادام الشعب يمارس حقوقه الدستورية، وربح الوقت من خلال تعيين حكومة جديدة ب"ممثلين" مرفوضين شعبيا سينقلب وبالا على السلطة التي هجر سفينتها المنتفعون، ولم يبق سوى السمع والطاعة لقرار الشعب.