أقرّ 1300 شخصية إسلامية من 139 دولة يمثّلون سبعًا وعشرين مكونًا إسلاميًاً من مختلف المذاهب والطوائف، من علماء ومفتين ومفكرين "وثيقة مكةالمكرمة"؛ كوثيقة دستورية تاريخية لإرساء قيم التعايش بين أتباع الأديان والثقافات والأعراق والمذاهب، ولتحقيق السّلم بين مكوّنات المجتمع الإنساني. وأجمع علماء ومفكري الأمّة، المشهود لهم علمًا وعملًا وفضلًا، في وثيقتهم الّتي أصدروها، مساء أمس، في رحاب البيت الحرام، مستصحبين الصّدى الكبير والأثر البالغ ل"وثيقة المدينةالمنورة" الّتي عقدها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قبل أربعة عشر قرنًا مع المكوّنات المختلفة في أديانها وثقافاتها وأعراقها في مدينته المنورة، على أهمية المرجعية الروحية للعالم الإسلامي حيث قبلة المسلمين، أنهم جزء من هذا العالم بتفاعله الحضاري، يسعَون للتّواصل مع مكوناته كافة لتحقيق صالح البشرية، وتعزيز قيمها النبيلة، وبناء جسور المحبّة والوئام الإنساني، والتصدي لممارسات الظلم والصدام الحضاري وسلبيات الكراهية. وأكّدت وثيقة مكةالمكرمة أنّ البشر على اختلاف مكوّناتهم ينتمون إلى أصل واحد، وهم متساوون في إنسانيتهم، رافضة كلّ العبارات والشعارات العنصرية، ومندّدة بدعاوى الاستعلاء البغيضة؛ معتبرة أنّ الاختلاف بين الأمم في معتقداتهم وثقافاتهم وطبائعهم وطرائق تفكيرهم قَدَرٌ إلهي قضت به حكمة الله البالغة؛ وأنّ الإقرارُ بهذه السُّنَّة الكونية والتّعامل معها بمنطق العقل والحكمة بما يوصل إلى الوئام والسلام الإنساني خيرٌ من مكابرتها ومصادمتها. وشدّدت الوثيقة التاريخية الّتي أقرّها 1300 شخصية إسلامية على أنّ التنوّع الدّيني والثقافي في المجتمعات الإنسانية لا يُبرّر الصراع والصدام، بل يستدعي إقامة شراكة حضارية إيجابية، وتواصلاً فاعلاً يجعل من التنوّع جسرًا للحوار والتفاهم والتعاون لمصلحة الجميع، ويحفّز على التّنافس في خدمة الإنسان وإسعاده، والبحث عن المشتركات الجامعة، واستثمارها في بناء دولة المواطنة الشاملة. واعتبرت "وثيقة مكةالمكرمة" أنّ الحوار الحضاري أفضل السبل إلى التفاهم السوي مع الآخر، والتعرف على المشتركات معه، وتجاوز معوقات التعايش، والتغلب على المشكلات ذات الصلة. ودعت إلى سن التشريعات الرادعة لمروّجي الكراهية، والمحرّضين على العنف والإرهاب والصدام الحضاري، مؤكّدة أنّ ذلك كفيل بتجفيف مسبّبات الصراع الدّيني والإثني. موضحة أنّ ظاهرة كراهية الإسلام "الإسلاموفوبيا" وليدة عدم المعرفة بحقيقة الإسلام وإبداعه الحضاري وغاياته السامية. وشدّدت على ضرورة مكافحة الإرهاب والظلم والقهر، ورفض استغلال مقدّرات الشعوب وانتهاك حقوق الإنسان، مشيرة إلى أنّ واجب الجميع، ولا يجوز فيه التمييز ولا المحاباة. وأكّدت الوثيقة أنّ الحرية الشخصية لا تُسوِّغ الاعتداء على القيم الإنسانية، وطالبت بتحقيق معادلة العيش المشترك الآمن بين جميع المكوّنات الدّينية والإثنية والثقافية على اتساع الدائرة الإنسانية من خلال تعاون القيادات العالمية والمؤسسات الدولية طافة. ودان علماء ومفكري الأمّة في وثيقة مكة التاريخية، الاعتداء على دور العبادة، معتبرة أنه عمل إجرامي يتطلب الوقوف إزاءه بحزم تشريعي، وضمانات سياسية وأمنية قوية، مع التصدي اللازم للأفكار المتطرفة المحفزة عليه.