تقطع التجربة الديمقراطية في تونس، اليوم الأحد، محطة مفصلية على طريق تركيز الانتقال الديمقراطي في البلاد، عندما يتوجه الناخبون التونسيون إلى صناديق الاقتراع في ثاني انتخابات رئاسية منذ الإطاحة بنظام الدكتاتور زين العابدين بن علي، وسط منافسة بين مرشحي قوى الثورة ومرشحي التيار الديمقراطي المحسوب أغلبهم على المنظومة السياسية السابقة. بعد أكثر من عشرة أيام من الحملة الدعائية، تصل المواجهة الانتخابية بين المرشحين ال26 للرئاسة في تونس إلى لحظة الحسم، حيث يتوجه الناخبون (أكثر من سبعة ملايين ناخب مسجل) إلى صناديق الاقتراع لانتخاب ثالث رئيس للجمهورية منذ ثورة يناير 2011، والاختيار بين 26 مرشحا، بينهم ستة مرشحين يتصدرون نوايا التصويت في أحدث استطلاعات الرأي. وسيختار التونسيون رئيسا من بين مرشحي كتلتين تشكلتا بوضوح خلال الحملة الانتخابية، هي كتلة مرشحي قوى الثورة المحسوبين على التيارات التي لعبت دورا في الثورة والإطاحة بنظام بن علي، أبرزهم مرشح حركة النهضة، الشيخ عبد الفتاح مورو، والذي يعد من بين أبرز المرشحين للمرور إلى الدور الثاني، والأمين العام السابق لحركة النهضة ورئيس الحكومة الأسبق، حمادي الجبالي، والمحامي رئيس ائتلاف الكرامة سيف الدين مخلوف، والمناضل الحقوقي محمد عبو، رئيس حزب التيار الديمقراطي، والرئيس السابق محمد المنصف المرزوقي، في مقابل مرشحين من الكتلة الديمقراطية محسوبين على النظام السابق، حتى وإن لم يكونوا أعضاء فاعلين فيه بشكل مركزي، كوزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي، ورئيسي الحكومة السابقين يوسف الشاهد ومهدي جمعة. وكان واضحا أن الخطاب السياسي بين مرشحي الكتلتين تمركز حول الدفاع عن تحقيق واستكمال أهداف الثورة والعودة إلى سقف المطالب الثورية، ومنع بقايا النظام السابق من إعادة البلاد إلى النظام الدستوري، فيما تجاوز مرشحو الكتلة الديمقراطية الخطاب الثوري واقترحوا تعديل الدستور للعودة إلى النظام الدستوري. وفيما أخفقت محاولات مرشحي الكتلة الثورية في إقناع أي من المرشحين للتنازل لصالح مرشح أكثر حظا مثل عبد الفتاح مورو، نجح المرشح الرئاسي وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي في الساعات الأخيرة من الحملة الانتخابية من الحصول على دعم مرشحين رئاسيين قررا التنازل لصالحه، ويتعلق الأمر بالمرشح سليم الرياحي الفار في فرنسا، والذي أعلن انسحابه من سباق الرئاسة لصالح الزبيدي، مشيرا في بيان صوتي أن إدراكه أن حظوظه لن تمكنه من الوصول إلى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، دفعه إلى ذلك، كما أعلن المرشح محسن مرزوق تنازله لصالح الزبيدي، ووصفه بأنه في حال صعوده إلى الرئاسة سيكون قادرا على تجنيب تونس المشاكل والصراعات. واختتم مرشح حركة النهضة مورو حملته الليلة السابقة للصمت الانتخابي في تجمع استعراضي في شارع الحبيب بورقيبة، تطرق فيه إضافة إلى وعده بأن يكون رئيسا لكل التونسيين، وأثنى على دور الجزائر في دعم الانتقال الديمقراطي، وتزامن هذا التجمع مع تجمع أخير للمرشح اليساري حمة الهمامي، والذي ذكر أيضا بحاجة تونس إلى دعم الجزائر وثمّن مواقفها إزاء تونس. وبرغم عدم وجود أي مؤشرات لإمكانية توقع نتائج الدور الأول للرئاسيات أو تسمية مسبقة لأي من المرشحين بالفوز والمرور إلى الدور الثاني، بسبب تقارب الحظوظ بين عدد من المرشحين، فإن ستة أسماء تبدو أكثر قربا لتكون في الصدارة، هم عبد الفتاح مورو ووزير الدفاع الزبيدي والخبير الدستوري قيس سعيد الذي قد يصنع المفاجأة الانتخابية، ورئيس الحكومة السابق مهدي جمعة والرئيس السابق منصف المرزوقي. وتقلصت حظوظ رئيس الحكومة الحالي يوسف الشاهد الذي يقود حزب "تحيا تونس" الفتي والذي تعرض لمشاكل كبيرة خلال حملته الانتخابية، جعلته يبتعد، برغم الدعم اللوجيستي الذي حصل عليه من عدة أطراف، عن قائمة المتصدرين للترشح والمرور إلى الدور الثاني . وتشير الحسابات الانتخابية إلى إجراء دور ثان من المقرر أن يتم قبل 13 أكتوبر المقبل، بحسب هيئة الانتخابات، إذ لا يملك أي من المرشحين القدرة على افتكاك نسبة أكثر من 50 في المائة التي تتيح له الفوز في الدور الأول، وتزامنا مع إجراء الانتخابات الرئاسية، بدأت أمس الحملة الدعائية للانتخابات التشريعية المقررة في السادس أكتوبر المقبل. ونشرت السلطات التونسية 70 ألفا بين رجل أمن وجيش، لتأمين مراكز الانتخابات التي ستبدأ استقبال الناخبين صباح اليوم، وأعلنت هيئة الانتخابات أن كشف النتائج الأولية للانتخابات ستتم صباح غد الإثنين.