رفضت السلطة التشريعية (مجلس الأمة) الاستجابة لمطلب السلطة القضائية في رفع الحصانة عن سيناتورين متابعين بشبهة الفساد. وبدورها، رفضت السلطة القضائية (القضاة) إجراءات السلطة التنفيذية (وزير العدل) بشأن الحركة التي أجراها زغماتي في سلك القضاة، فهل هي بوادر تعقيد الأزمة، أم مؤشرات اقتراب الحل؟ تعد هذه "المعارك الإجرائية" بين السلطات الثلاث (تنفيذية، تشريعية وقضائية)، مؤشرا ايجابيا، بغض النظر عن محتوى الملفات القائم حولها الخلاف، لأنه يعكس بطريقة أو بأخرى رفض "تغول" أي سلطة على بقية السلطات الأخرى، وهو مبدأ دستوري صاغه المشرع في المادة 15 "تقوم الدولة على مبادئ التنظيم الديمقراطي والفصل بين السلطات..."، أي أن السلطة التشريعية لا تتدخل في عمل السلطة القضائية ولا التنفيذية أو العكس. ولم يكن هذا الأمر يحدث بمثل هذه الحدة والخروج على العلن، مثلما هو حاصل حاليا، لأن السلطة التنفيذية كانت مهيمنة على باقي السلط الأخرى، وكان يكفيها "الإيعاز" لتأتيها السلطة التشريعية والقضائية طائعتين.. فما الذي وقع حتى تعلن هذه "المقاومة"؟ تعد السلطة التنفيذية حاليا الأضعف مقارنة بالسلطات الأخرى على ضعفها هي الأخرى، بعدما أسقط الحراك الشعبي منذ 22 فيفري شرعيتها ولم تستطع إعادة ذلك بعد فشلها في تنظيم انتخابات 18 أفريل و4 جويلية. كما أن مطلب رحيل بن صالح رئيس الدولة، ونور الدين بدوي، الوزير الأول، كان أحد أهم مطالب الحراك الشعبي، الأمر الذي زاد من إضعاف الهيئة التنفيذية التي لم تستطع التكيف مع المستجدات مقارنة بالسلطة القضائية التي خرج القضاة للشارع مساندة للحراك الشعبي، وحتى السلطة التشريعية سارعت هي الأخرى إلى تغيير على الأقل واجهتها الأمامية بتنحية الأفالاني معاذ بوشارب وتنصيب النائب سليمان شنين رئيسا للغرفة السفلى، وهو المنتمي إلى حركة البناء (المعارضة). أمام تراجع "هيبة" السلطة التنفيذية، خصوصا بفعل ضغط الحراك الشعبي، قد أعطى الفرصة للسلطة التشريعية والقضائية لاستعراض القوة قصد استرجاع صلاحياتهما، من خلال قيام البرلمان برفض طلبات وزير العدل برفع الحصانة عن 3 نواب (اثنان من مجلس الأمة وواحد من المجلس الشعبي الوطني)، ولجوء نقابة القضاة (السلطة القضائية)، إلى الإضراب وفرض القبضة الحديدية ضد وزير العدل (السلطة التنفيذية)، والتمرد على قراراته . ويؤشر النزاع القائم حاليا بين السلطة القضائية (القضاة) والسلطة التنفيذية (وزير العدل)، إلى أن العودة إلى ما قبل 22 فيفري لم يعد مقبولا حتى داخل ركائز السلطات الثلاث نفسها، ما يعني سقوط محاولات ترميم النظام، وهو ما شدد عليه القضاة، أمس، في بيانهم بشأن تكريس استقلالية القضاء وطي عهد "عدالة التليفون". ومهما كانت مآلات الحركة الاحتجاجية للقضاة، فإنها كشفت للعيان أن الحوار الذي كان يجب أن يسبق العودة للمسار الانتخابي، لم يتم بالشكل المطلوب، أو هكذا أريد له أن يكون في سياق "فرض الأمر الواقع"، والنتيجة أن الكل يريد الضمانات (العامة والخاصة)، من قضاة ومحامين ونقابات وعمال وحراك شعبي، إلا المرشحين ال 22 الذين وجدوا أنفسهم في حالة شبيهة بوضع العربة أمام الثيران.