لماذا اكتفى رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، المضطلع بالسلطات والصلاحيات حسب تعبير أحكام المادة 91 من الدستور، بتعيين وزير أول بالنيابة، في الوقت الذي تشير المادة 91 (المطة 5)، على أنه "يعيّن الوزير الأول بعد استشارة الأغلبية البرلمانية وينهي مهامه" فهل يعتبر هذا أول اجتهاد دستوري للرئيس الجديد أم وراءه معطيات أخرى؟ تعد قضية تعيين وزير أول بالنيابة الثانية من نوعها، بعدما سبق وأن عيّن يوسف يوسفي في نفس المنصب لمدة 45 يوما بتاريخ 13 مارس 2014 غداة تكليف الوزير الأول عبد المالك سلال بإدارة مديرية الحملة للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة خلال العهدة الرابعة، بالرغم من عدم تشابه الظروف بين الأولى والثانية. وتؤشر بعض المعطيات، أن تعيين بوقادوم وزيرا أول بالنيابة قد يراد من ورائه بالدرجة الأولى إعفاء الحكومة من إعداد مخطط عملها، وهو مخطط العمل الذي يجبر الوزير الأول للنزول إلى البرلمان لعرضه والمصادقة عليه ، كما قد يرمي إلى السماح لرئيس الجمهورية الجديد بإجراء "مشاورات" موسعة إلى أكبر عدد ممكن من شرائح المجتمع، خصوصا بعدما وعد ب "الحوار" مع الحراك الشعبي الذي وصفه ب "المبارك". من جانب آخر، فإن الإبقاء على هذه الحكومة في الوقت الحالي، يعد عربونا للوزراء الذين قبلوا المهمة لمدة 90 يوما قبل أن تصل إلى 9 أشهر في ظروف يعرفها الجميع ويعرفها أيضا الرئيس الجديد بمعية قائد الأركان. وفي المقابل، قدّم الرئيس الجديد عربونا للشارع الجزائري عندما قام بإنهاء مهام وزير الداخلية صلاح الدين دحمون، فضلا عن "التخلص" من بدوي الذي ظل مطلوبا من قبل الحراك الشعبي. في سياق متصل وحسب بيان رئاسة الجمهورية، فإن المرسوم الرئاسي رقم 19 -111 المتضمن أعضاء الحكومة والذي عدل مرتين (إنهاء مهام وزير العدل براهمي ووزيرة الثقافة مرداسي)، سيعدل للمرة الثالثة بإنهاء مهام وزير الداخلية وسيحتفظ صبري بوقادوم بحقيبة الشؤون الخارجية. وما يسجل في هذا السياق، أنه إذا كان الرئيس بوتفليقة عند تنصيبه عام 99 قد احتفظ بحكومة اسماعيل حمداني لمدة 8 أشهر، وكان له مبررات وأسباب سياسية وظروف تختلف عن الظروف الحالية، فإن احتفاظ تبون بالحكومة نفسها التي ورثها عن بوتفليقة تطرح أكثر من سؤال، خصوصا في ظل تغير التوازنات. فالرئيس مطالب بتوسيع قاعدة الحكم، بإشراك قوى سياسية جديدة من خارج المنتسبين للنظام لامتصاص الكتلة الشعبية الغاضبة التي لم تصوت في الانتخابات، ولترميم الثقة وإعطاء أمل ب "التغيير" المنشود، وهو أمر ليس سهل المنال. فالكتلة التقليدية المساندة للسلطة تعرضت للتفكك (الأفالان والأرندي...) وخسرت آخر أوراقها في الانتخابات ولم يعد بالمقدور أيضا الاستعانة بها ولو ظرفيا من دون مخاطر، ما يستدعي بناء قاعدة تحالفات جديدة تحتاج إلى وقت طويل في ظل عدم امتلاك الرئيس الجديد الذي ترشح حرا لعصا سحرية. ويبدو أن السلطة اختارت التعامل بحذر والتريث وربح الوقت، من خلال الإبقاء على حكومة تصريف الأعمال دون الهرولة لتشكيل حكومي جديد لغاية فرز الساحة لمعطيات جديدة تبعث بموازين قوى بديلة، خصوصا بعدما وضع الرئيس التعديل الدستوري ضمن أولويات "أجندته" لرسم تلك التوازنات، مما يعني انتظار تحقيق التوافق المفقود حاليا.