بعدما ظلت السلطة السابقة تحت حكم الرئيس بوتفليقة، تعتبر أن التسديد المسبق للمديونية الخارجية في 2005، يعتبر من بين "الإنجازات" المحققة، لأنها كانت ترى فيه رهن للقرار السيادي للبلد، قررت حكومة بدوي المستقيلة العدول عن هذا التوجه والعودة إلى الاستدانة الخارجية من وراء السماح للمؤسسات العمومية بالاقتراض من الخارج لتغطية مشاريعها. دشن مجمع سوناطراك خط العودة للاستدانة الخارجية، بعدما ظل ذلك من "الطابوهات" في عهد الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة، حيث أعلنت الشركة العربية للاستثمارات البترولية "أبيكورب" عن اتفاقها على قرضين بقيمة 250 مليون دولار مع شركة سوناطراك للاستثمارات البترولية التابعة لمجمع سوناطراك. ويخص القرض الأول وقيمته 100 مليون دولار، صيانة مصفاة للتكرير في صقلية بإيطاليا والذي اشترته من إكسون موبيل في 2018. أما القرض الثاني والمقدرة قيمته ب 150 مليون دولار هو خطاب ائتمان لشراء المصفاة ذاتها. وينتظر أن تلتحق مؤسسات عمومية أخرى بخطوة سوناطراك في طلب القروض الأجنبية، بعدما أعطت حكومة بدوي الضوء الأخضر للشركات الوطنية العمومية أمام عدم قدرة الخزينة العمومية تمكينها من موارد مالية بالنظر إلى شح مواردها. وبرميها للكرة في مرمى الشركات الوطنية العمومية للبحث عن مصادر تمويل خارجية، قررت السلطة رسميا العودة إلى الاستدانة الخارجية، بعدما ظلت ترفض ذلك طيلة سنوات بحجة رهن القرار السيادي للبلد، وأيضا لكونها كانت ترى في الدفع المسبق للمديونية الخارجية في عهد بوتفليقة من الانتصارات والإنجازات المحققة. وحتى وإن أرادت الحكومة دفع المؤسسات العمومية لتحمل عبء اللجوء إلى الاقتراض الخارجي، ربما للإفلات من الشروط المجحفة التي تفرضها عادة الهيئات الدولية خصوصا الأفامي والبنك العالمي في مفاوضاتها مع الدول، غير أن المؤسسات العمومية لن يتسنى لها الحصول على القروض من دون أن تكون حكوماتها هي الضامن على تلك القروض في نهاية المطاف. للتذكير كانت العودة إلى الاستدانة الخارجية قد دشنت منذ أكثر من سنتين عندما تم اللجوء إلى البنك الإفريقي للاقتراض بأكثر من 900 مليون دولار. ويعكس لجوء المؤسسات العمومية للاستدانة الخارجية، أن التيار الرافض داخل السلطة للذهاب إلى الاستدانة الخارجية لم يعد موجودا على الأقل بالشكل الحاد الذي كان في عهد بوتفليقة، عندما اتخذ من الدفع المسبق للمديونية ك "انتصار" محقق لحكمه. لكن الواقع الذي يخيّم اليوم على الساحة الوطنية، لا يعطي للسلطة مجالا واسعا للمناورة، فالأزمة التي بدأت منذ 2014 أخذت تلقي بمتاعبها الثقيلة على المواطنين، فالجزائر بحاجة إلى نسبة نمو لا تقل عن 7 بالمائة للحفاظ على مستويات البطالة الحالية، وهو أمر مستبعد تحقيقه بعدما توقفت الاستثمارات العمومية كلية جراء شح موارد البترول والرهان على القطاع الخاص كبديل للمحروقات ومحرك لعجلة التنمية أظهر فشله الذريع، بدليل تواجد الكثير من رجال الأعمال الخواص في السجن. فهل يعد اللجوء للاقتراض الخارجي الحل البديل في ظل غياب بدائل محلية ؟ يشير البعض إلى أن اقتصاديات أكبر الدول في العام على غرار أمريكا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وغيرها، مبنية على الاستدانة، لكن دخلها الخام يمكّنها من عدم وقوعها في وضعية عدم القدرة على التسديد، عكس الجزائر التي يعد القطاع العام جزء من المشكلة وليس الحل، لعدم قدرته على تحقيق النمو، رغم استهلاكه ملايير الدولارات في عمليات التطهير المالي التي استفاد منها من أجل الإقلاع دون نتيجة. ولذلك كان الأجدى قبل التوجه إلى الاستدانة الخارجية، أن تقوم الحكومة بتنفيذ إصلاحات هيكلية عميقة تجعل المؤسسة الإنتاجية عامة أو خاصة بمنآى عن التجاذبات السياسية، خصوصا ما تعلق بالمنظومة المالية والقروض البنكية ورخص الاستيراد وحرية المبادرة بالنسبة للمسيرين والبيروقراطية المميتة وجعل المؤسسات التكوينية والجامعية تتماشى مع احتياجات سوق العمل، وهي الإصلاحات المعطلة أو الغائبة حتى إشعار آخر.