أرزقي فراد ل"الخبر": من واجب الدولة سن قانون يجرّم الاستعمار حصرت الحكومة ملف "الذاكرة الوطنية" في جوانب "تقنية" بحتة تتعلق بحقوق المجاهدين وذويهم، وزادت عليها قليلا، على "استحياء"، ما تصفه ب"صون الذاكرة" بضم مفقودي حرب التحرير والأرشيف دون الخوص كثيرا في المسائل التي تشكل فعلا حساسية بين الجزائروفرنسا، وفي صدارتها الاعتراف بالجرائم الفظيعة إبان الثورة والاعتذار عنها. في فقرتين بسيطتين من وثيقة مخطط عمل الحكومة، جاء محور الذاكرة تحت عنوان "صون الذاكرة الوطنية" مقتضبا جدا، بل وحمل تصورا عاما لهذا الملف الأكثر حساسية بالنسبة للجزائريين وحتى السلطة التي تبدي في كل مرة تحمسا كلما طفت إلى السطح "الذاكرة"، فكان آخرها "الحادث الدبلوماسي" بين الجزائر وتركيا، خلال تناول الرئيس أردوغان حديثا يخص مجازر فرنسا في الجزائر، ووصفته الرئاسة ب"الخارج عن السياق". فالجزائر، حسب منظور السلطة، تربطها بالجانب الفرنسي ملفات ثقيلة تتعلق بالذاكرة الوطنية، على غرار استرجاع الأرشيف الوطني وجماجم الشهداء وتعويض ضحايا التفجيرات النووية، وترى أن الأمر يستوجب تسوية فعلية ونية صادقة تمكن من التسوية الفعلية لهذه الملفات لبناء علاقات ثنائية عادية مع فرنسا. ولم تشأ الحكومة الانغماس كثيرا في ملف الذاكرة لأسباب قد يقدم بشأنها الوزير الأول، عبد العزيز جراد، شروحات خلال عرضه مخطط العمل، اليوم الثلاثاء، بالمجلس الشعبي الوطني، وإن كان وزير المجاهدين في كل سانحة يصدر تصريحات نوعا ما "صريحة" بشأن ماضي فرنسا في الجزائر. وورد في مخطط العمل عن الذاكرة أن "الحكومة ستسهر على اتخاذ كل التدابير والترتيبات التنظيمية والقانونية والمادية الرامية إلى صون الذاكرة الوطنية وضمان تكفل أمثل بهذه الفئة النبيلة من المجاهدين وذوي الحقوق". أما ما تعلق بماضي فرنسا، فأعلنت الحكومة "تسوية الملفات المتعلقة بمفقودي حرب التحرير الوطني وتعويض ضحايا التجارب النووية واسترجاع الأرشيف الوطني واستعادة جماجم شهداء المقاومة الشعبية ومدفع بابا مرزوق"، بالإضافة إلى "تعمل الحكومة جاهدة على ترقية التاريخ وتبليغه إلى الأجيال الصاعدة وتكثيف عمليات جمع وتسجيل الشهادات الحية من أجل تصنيفها واستغلالها". وعاد ملف الذاكرة إلى البروز في المشهد السياسي منذ تولي الرئيس عبد المجيد تبون دفة الحكم، ويشرح الكاتب والباحث في التاريخ، محمد أرزقي فراد، أسباب ذلك فيما يصفه ب"هاجس الذاكرة بين الجزائروفرنسا". وقال فراد ل"الخبر" إن "القاعدة التي تبنى عليها العلاقات الدولية هي قلب صفحة الماضي دون تمزيقها، فما ارتكبه الاستعمار الفرنسي من جرائم بشعة في حق أجدادنا لا يجب أن ينسى، بل يجب أن يكون عبرة لأجيال المستقبل. بيد أنه لا يجب أن يتحوّل هذا الكابوس التاريخي إلى حجر عثرة أمام بناء علاقات ودّية بين الشعبين، فقد أكد التاريخ أنه ليس هناك صداقة أو عداوة دائمتين بين الشعوب، بل هناك مصالح متبادلة تخضع لسياق الأحداث". ويرى فراد أنه "من واجب الدولة الجزائرية أن تسنّ قانونا يجرّم الاستعمار الفرنسي، وبعد ذلك يمكن بناء علاقة ندّية بين الطرفين. لكن لا أعتقد أن النظام السياسي الاستبدادي الحالي قادر على سنّ هذا القانون، لأن الحكام لا يملكون الشجاعة الكافية لفعل ذلك بسبب ارتباط مصالحهم بالدولة الفرنسية". وأضاف: "ولعل ما يؤكد ذلك إجهاض السلطة المحاولات الثلاث التي قام بها بعض نواب البرلمان في فترات مختلفة من أجل تجريم الاستعمار. وعليه، فإن هذه المهمة العصيّة على الحكم الحالي منوطة بقيام حكم ديمقراطي يستمد المسؤولون فيه شرعيتهم من الشعب مباشرة ولا تربطهم مصالح ضيقة بفرنسا".